على أن من أهم أسلحة مؤرخنا في تتبع تلك الأوهام وتصحيحها التّنبيه على حيدها عن الواقع وتتبع المصادر ونقل أقوالها المختلفة في الحادثة الواحدة ، ففي تعليل أسباب خروج الأيوبيين إلى اليمن وإرجاعه عند بعض المؤرخين إلى رسالة ابن النساخ إلى خليفة بغداد يقول شهيدنا المطاع «وعندي انه من البعيد وعند كل من له أدنى معرفة بنزعات النفوس واتجاهات من يحكم ، ولا سيما تلك القرون وصدور مثل هذه التهديدات القاسية من رجل يطلب النّصرة ويرجو النّصفة ، مع ما فيها من المدح والإشادة والتنويه والتعظيم للإمام المنصور وعماله».
«وإنما نستبعد صدورها على ذلك الأسلوب من رجل لا يملك إلّا ثورة نفسه ، وقوة روحه وما يضطرم بين جوانحه من براكين الحقد والضغينة ، على من جرّعه كأس التّنكيل المريرة ، وهل من المعقول أن يحوّل جمر غضبه الماحق نحو خليفة بغداد الضعيف العاجز ، هذا ما يلوح للناقد من جهة الأسلوب ، وأما من الوجهة التاريخية فإنه لم ينقل أن الحكومة العباسية نهضت إلى اليمن في ذلك التاريخ ، وأنّى لها ذلك والخليفة لا يملك أمر نفسه فضلا عن قصره ومدينته وقد لا يكتفي بمجرد التّنبيه اللفظي على شطط الخبر الموهوم ، وإنما يقتله بحثا من خلال تتبع المصادر التي أوردت ذلك الخبر ، ويبحث عنه في مظانه الأصيلة ، غير معتمد على قول واحد ، أنظر إليه مثلا في تتبع خبر وفاة منصور ابن حسن حيث تجده ينقل عن أنباء الزمن وسيرة الناصر ، وقرة العيون ، واللآلىء المضيئة ، ويقول في نصّ قرة العيون حول هذه المسألة : «وهو يخالف ما سبق في ترجمة الناصر في وقعة نغاش التي أباد بها القرامطة من ناحية مسور» فهو لم يكتف بتلك النصوص المستفيضة حول تلك المسألة ، وإنما استعان فيها بقرائن تاريخية أخرى يعزّز بها قوله.
ويبلغ التحليل ذروته عند شهيدنا المطاع عند ما يستعين بالجانب النفسي