انظر إلى بركة الفيل التي نحرت |
|
لها الغزالة نحرا من مطالعها (١) |
وخل طرفك مجنونا ببهجتها |
|
تهيم وجدا وحبا في بدائعها |
والفسطاط أكثر أرزاقا ، وأرخص أسعارا من القاهرة لقرب النيل من الفسطاط ، فالمراكب التي تصل بالخيرات تحط هناك ، ويباع ما يصل فيها بالقرب منها ، وليس يتفق ذلك في ساحل القاهرة ، لأنه بعيد عن المدينة ، والقاهرة هي أكثر عمارة ، واحتراما وحشمة من الفسطاط ، لأنها أجلّ مدارس ، وأضخم خانات ، وأعظم دثارا لسكنى الأمراء فيها لأنها المخصوصة بالسلطنة لقرب قلعة الجبل منها ، فأمور السلطنة كلها فيها أيسر ، وأكثر ، وبها الطراز وسائر الأشياء التي تتزين بها الرجال والنساء ، إلّا أنّ في هذا الوقت لما اعتنى السلطان الآن ببناء قلعة الجزيرة التي أمام الفسطاط ، وصيرها سرير السلطنة عظمت عمارة الفسطاط ، وانتقل إليها كثير من الأمراء ، وضخمت أسواقها وبنى فيها للسلطان أمام الجسر الذي للجزيرة قيسارية عظيمة تنقل إليها من القاهرة سوق الأجناد التي يباع فيها الفراء والجوخ ، وما أشبه ذلك.
ومعاملة القاهرة والفسطاط بالدراهم المعروفة بالسوداء ، كل درهم منها ثلث من الدرهم الناصريّ ، وفي المعاملة بها شدّة وخسارة في البيع والشراء ، ومخاصمة مع الفريقين ، وكان بها في القديم الفلوس ، فقطعها الملك الكامل فبقيت إلى الآن مقطوعة منها ، وهي في الإقليم الثالث ، وهواءها رديء لا سيّما إذا هبّ المريسي من جهة القبلة ، وأيضا رمد العين فيها كثير ، والمعايش فيها متعذرة نزرة ، لا سيّما أصناف الفضلاء وجوامك المدارس قليلة كدرة ، وأكثر ما يتعيش بها اليهود والنصارى في كتابة الخراج والطب ، والنصارى بها يمتازون بالزنار في أوساطهم ، واليهود بعلامة صفراء في عمائمهم ، ويركبون البغال ، ويلبسون الملابس الجليلة ، ومآكل أهل القاهرة الدميس ، والصير ، والصحناة ، والبطارخ ، ولا تصنع النيدة ، وهي حلاوة القمح إلا بها وبغيرها من الديار المصرية ، وفيها جوار طباخات أصل تعليمهن من قصور الخلفاء الفاطميين لهنّ في الطبخ صناعة عجيبة ورياسة متقدّمة ، ومطابخ السكر ، والمطابخ التي يصنع فيها الورق المنصوري مخصوصة بالفسطاط دون القاهرة ، ويصنع فيها من الأنطاع المستحسنة ، ما يسفر إلى الشام وغيرها ، ولها من الشروب الدمياطية وأنواعها ، ما اختصت به ، وفيها صناع للقسيّ كثيرون متقدّمون ، ولكن قسيّ دمشق بها يضرب المثل وإليها النهاية ، ويسفر من القاهرة إلى الشام ما يكون من أنواع الكمرانات ، وخرائط الجلد ، والسيور ، وما أشبه ذلك وهي الآن عظيمة آهلة يجبى إليها من الشرق والغرب والجنوب والشمال ، ولا ترسيما وعذابا ، ولا يطلب برفيق له إذا مات فيقال له : ترك عندك مالا ، فربما سجن في شأنه أو ضرب وعصر ، والفقير
__________________
(١) الغزالة : الشمس.