المجرّد فيها مستريح من جهة رخص الخبز وكثرته ، ووجود السماعات ، والفرج في ظواهرها ودواخلها ، وقلة الاعتراض عليه ، فيما تذهب إليه نفسه يحكم فيها كيف شاء من رقص في السوق أو تجريد ، أو سكر من حشيشة أو غيرها أو صحبة المردان ، وما أشبه ذلك بخلاف غيرها من بلاد المغرب ، وسائر الفقراء لا يعترضون بالقبض للأسطول إلّا المغاربة ، فذلك وقف عليهم لمعرفتهم بمعاناة البحر ، فقد عمّ ذلك من يعرف معاناة البحر منهم ، ومن لا يعرف ، وهم في القدوم عليها بين حالين إن كان المغربيّ غنيا طولب بالزكاة ، وضيقت عليه أنفاسه حتى يفرّ منها ، وإن كان مجرّدا فقيرا حمل إلى السجن حتى يجيء وقت الأسطول ، وفي القاهرة أزاهير كثيرة غير منقطعة الاتصال ، وهذا الشأن في الديار المصرية تفضل به كثيرا من البلاد ، وفي اجتماع النرجس والورد فيها أقول :
من فضل النرجس وهو الذي |
|
يرضى بحكم الورد إذ يرأس |
أما ترى الورد غدا قاعدا |
|
وقام في خدمته النرجس |
وأكثر ما فيها من الثمرات والفواكه : الرمان والموز والتفاح ، وأما الإجاص فقليل غال ، وكذلك الخوخ ، وفيها الورد والنرجس والنسرين واللينوفر والبنفسج والياسمين والليمون الأخضر والأصفر ، وأما العنب والتين فقيل غال ولكثرة ما يعصرون العنب في أرياف النيل لا يصل منه إلا القليل ، ومع هذا فشراؤه عندهم في نهاية الغلاء ، وعامّتها يشربون المزر الأبيض المتخذ من القمح ، حتى أن القمح يطلع عندهم سعره بسببه ، فينادي المنادي من قبل الوالي بقطعه ، وكسر أوانيه ، ولا ينكر فيها إظهار أواني الخمر ، ولا آلات الطرب ذوات الأوتار ، ولا تبرّج النساء العواهر ، ولا غير ذلك مما ينكر في غيرها من بلاد المغرب ، وقد دخلت في الخليج الذي بين القاهرة ومصر ، ومعظم عمارته فيما يلي القاهرة ، فرأيت فيه من ذلك العجائب ، وربما وقع فيه قتل بسبب السكر ، فيمنع فيه الشرب ، وذلك في بعض الأحيان ، وهو ضيق عليه في الجهتين مناظر كثيرة العمارة بعالم الطرب والتهكم ، والمخالفة حتى إنّ المحتشمين والرؤساء لا يجيزون العبور به في مركب ، وللسرج في جانبيه الليل منظر فتان ، وكثيرا ما يتفرّج فيه أهل الستر بالليل ، وفي ذلك أقول :
لا تركبن في خليج مصر |
|
إلا إذا أسدل الظلام |
فقد علمت الذي عليه |
|
من عالم كلهم طغام |
صفان للحرب قد أظلا |
|
سلاح ما بينهم كلام |
يا سيدي لا تسر إليه |
|
إلا إذا هوّم النيام |
والليل ستر على التصابي |
|
عليه من فضله لثام |
والسرج قد بدّدت عليه |
|
منها دنانير لا ترام |
وهو قد امتدّ والمباني |
|
عليه في خدمة قيام |
لله كم دوحة جنينا |
|
هناك أثمارها الآثام |