والسقوف من بناء على هيئة قباب نحو نصف كورة أو أقل تكور ، وينظمون تقابل الأبواب فإذا دخلت بابا إلى دار من الطريق تجد سقيفة مربعة ثم بابا إلى وسط الدار وفيه أربعة أبواب إلى كل بيت ، وإحدى البيوت وراءها جنينة وبركة ماء وأسرة النوم من بناء كالدكاكين وجهة الوسادة بناء مرتفع يسيرا على سطح السرير ولا تختلف دور الأغنياء من غيرهم إلا بالكبر والصغر ، ولكل بيت طواقي إلى وسط الدار وكل الطواقي والأبواب متقابلة. والحمام الذي رأيته في البلاد هو على نحو الحمامات المعروفة الآن في البلاد الإسلامية وفيه تصاوير على الجدران بالألوان مثل الحمامات بتونس والمغرب ، ورأيت محل الحكومة وتحته السجن ، وعند مجلس الحاكم عند رجليه طاقة يطل منها على المسجونين أسفله والسجن مظلم لا يتخلله الهواء ولا الضوء إلا من تلك الطاقة ورأيت الملهى فإذا هو على نحو الملاهي الأروباوية غير أن مرسح اللعب هو وسط الدائرة وهو أسفل مكان المتفرجين والطرق كلها مبلطة بالحجارة الصلبة المنحوتة ومنقسمة على ثلاثة أنحاء : فوسط الطريق منحفظ عن جانبيه لمرور العجلات ومفروض لها على جانبيه سكة لمرور ذات العجلة فيها ، وعن اليمين والشمال محل مرور الماشين وجميع عرض الطريق نحو ثلاثة ميتر وفي محل مرور العجلات يقسم وسط الطريق بحجارة منحوتة مرتفعة على سطح الطريق بحيث تراها ناتئة على طول الطريق وجميع الطرق مستقيمة لا اعوجاج فيها وتتلاقى على زوايا حادة ، غير أن كل طريق لما كانت لا تمر فيها إلا عجلة واحدة حسبما هو مفروض للعجلات فيلزم بالضرورة أن تكون كل طريق لا تمر فيها العجلة إلا لجهة واحدة كي لا تتلاقى ، وفي محل الإدارة لكشف تلك البلاد محل لوضع الأشياء المستخرجة ثم تنقل من هناك إلى نابلي وتوضع في محل الآثار القديمة كما مر والمادة النارية المتصلبة يصنع منها تحف كثيرة في نابلي.
وفيها سوق نافقة وجميع الأماكن المعدة للتفرج إما أن يدخلها الإنسان بأجر قليل أو تكون له تذكرة الدخول من الدولة والحصول عليها سهل بواسطة أحد الأعيان أو نواب الدول ، وقد أعطانا تذاكر الدخول قنسل الترك ، وقد اجتمعت في نابلي بأكبر حكمائها وهما «توماسي» و «كنتاني» وكان الثاني يعظم الأول جدا لكبر سنه حيث أنه بلغ نحو الثمانين ولمشيخته عليه ، وكانت أجرة كل منهما في كل زيارة ستون فرنكا. وبقيت في نابلي ثمانية أيام وكان المسافر فيها يقدر أن يقيم كل يوم متوسط المعيشة بأربعة فرنك يوميا للأكل ويقدر أن يأكل في المحلات السافلة بنصف فرنك ما يأكله في المحلات العالية بعشرة فرنك في الأكلة الواحدة ، وقد دعاني هناك أحد أعيان البلدة للمسامرة في داره حيث كان حبيبا إلى مصاحبنا من أهل البلد ، فرأيت كيفية مسامرتهم ورقصهم ، وفي آخر يوم من إقامتي بها أعلمت بأن الإبرة المسماة بالبوصلة اضطربت علامة على الزلزال ، ثم ركبنا الرتل بقصد بلد رومة وكان ذلك صباحا ولما وصلنا إلى قرية «كزرتا» التي هي قرب نابلي مسير نحو ساعتين في الرتل نزلنا هناك وتغدينا في إحدى منازل المسافرين ، وأما صناديق حوائجنا فإنها ذهبت