الوزارة بأن حزبه هو الذي فتح الباب لفرنسا فإن اللورد «صلسبري» الذي كان وزير الخارجية عند عقد مؤتمر برلين لما شاحنه وزير فرنسا على استيلاء إنكلتره على قبرص أجابه بأنه لا يعارض فرنسا إذا أرادت الإستيلاء على تونس ، فإذا يكون استيلاء فرنسا بوعد إنكلتره وقد غفل المستند لذلك عن كون الوعد من صلسبري كان في سياق أن ترضى بذلك الدولة العثمانية صاحبة الملك مع الرضى العام لا اغتيالا ، ومع ذلك فلإنكلتره مقاصد على تونس مخفية في مصر فرأت أن مساعدة فرنسا على تونس تلائمها في مقصدها هي في مصر عند الحاجة إذا ساعدتها فرنسا ، ولهذا لم تعترف بالمعاهدة الجديدة مع تونس رسميا حتى أن وزير فرنسا الأوّل أعلن في مجلس النواب بأن انكلتره وافقت على معاهدة ما به استنادا منه لما دار بينهم من الكلام فيها ، فأعلن وزير خارجية إنكلتره حالا بتكذيب ذلك الادعاء وما ذاك إلا تحفظا على ما يريد لدولته حتى إذا لم تساعفه فرنسا في مصر وآل بينهم الأمر إلى المشاحنة الحقيقية ، كان لانكلتره وجه في نقض ما حل بتونس.
وأما دولة الروسيا فلا إشكال أنها يسرها كل ما يضعف الدولة العثمانية ولا فائدة لها في مشاحنة فرنسا ، ولذلك كان جوابها بمثل محصول جواب سابقتها ، وأما دولة المانيا فأجابت خصوصيا بأن الأولى للدولة العثمانية الإضراب عن هاته النازلة وأنها هي لا تتعرّض لفرنسا بشيء والباعث لها على ذلك وجوه :
أولها : إظهار عدم التجافي عن فرنسا التي لها عليها حقد أخذ الثار.
وثانيها : جذب أعداء ومضادين إلى فرنسا كالدولة العثمانية وإيطاليا ، حتى إذا أعلنت الحرب يوما ما بين ألمانيا وفرنسا تجد ألمانيا الظهير على قرنها بما لذلك الظهير من الباعث الذاتي.
وثالثها : إشغال فرنسا بفتوحات جديدة في أراضي فسيحة وخلق كثير في أفريقيا ربما طال اشتغالها بهم حتى يبرد لهيب أخذ الثار.
ورابعها : إضعاف قوة فرنسا وقت الحرب إذ الأمم الذين تريد التسلط عليهم وإن لم يكونوا كفؤا لمحاربة فرنسا لخلوهم عن آلات الحرب والإستعداد لها ، لكنهم لما كانوا مسلمين وأهل نجدة وشجاعة ومثافنة للحرب لا يلبثون دائما أن يحدثوا عليها ثورات سيما إذا علموا بوقوع حرب بينها وبين أجنبي ، فتضطر فرنسا في وقت الحرب إلى أن تبقي قسما عظيما من جيشها محافظا على ذلك المستعمر وذلك يفيد
ألمانيا بنقصان قوة جيش خصمها في حربها.
وخامسها : تمهيد السبيل إليها فيما تريد التعاوض به بينها وبين النمسا ، لأن ألمانيا ليس لها مرسى على البحر الأبيض وقد بقي من جنس الألمان تحت النمسا عدة ملايين حول الجهات التي بقرب مرسى ترست فلو أخذت ألمانيا ذلك الباقي من الالمان مع تلك المرسى يكون ذلك غاية أمانيها ، ولكن ذلك لا يحصل إلا بحرب مع النمسا وقهرها أو