بمعاوضة ذلك لها بشيء يرضيها من ممالك الدولة العثمانية مثل أخذها ولايات مقدونية ومرسى سلانيك الموازي ذلك لما يؤخذ منها حسبما أشيع ذلك مرارا ، ولذلك كانت ألمانيا أوّل من بادر لأمر نائبها في تونس باتباع سياسة فرنسا فيها وتبعتها على ذلك أيضا النمسا لأنها ليس لها سياسة تخصها في تونس ، وهي لها مع ألمانيا عقد محالفة إتحاد على الذب والإقدام ، ثم أنها لها مطامح في جهة بحر الجزر لتتمكن فيه بمواقع مهمة لكي تسلم في مرسى ترست إلى ألمانيا حليفتها حيث لم يكن لها مرسى في البحر الأبيض كما تقدم ذكره ، فلا تعارضها فرنسا عند العمل. وأما إيطاليا فإنها تجرعت من ذلك الغصص وطوت على الضغائن التي لا تزال ولكنها لما كانت غير كفؤ بانفرادها لمعارضة فرنسا واتحادها مع الدولة العثمانية أيضا لا يجدي لاحتياج كل إلى المال مع ما فيه الدولة العثمانية من الحالة الداخلية والخارجية التي أعقبها الحرب الأخيرة ، فلم يسعها إلا السكوت وتحمل عرق القربة من عظم الضغينة في عموم الأهالي ، والدولة إذ هي حريصة على إبقاء ما كان على ما كان في تونس وكانت عند ملاحظتها مبادىء الشر عرضت بالسعي السياسي مع الدولة العلية فلم يكن من المقدر قبول الإنتباه لما أرادت حتى أنكر الوزير العثماني على المأمور الطلياني التكلم معه في تونس ، وقال له : إنها تابعة لنا ولا دخل فيها لأحد وعند هجوم فرنسا صار يتملق إلى ذلك المأمور لكي تمد إيطاليا اليد إليه ، فقال له مصداق المثل : «الصيف ضيعت اللبن».
وبما تمهد عبرت عساكر فرنسا حدود تونس معلنة بأنها تريد تأديب قبيلة خمير من أعراب الجبال الشمالية عند حدود الجزائر ، ولم يتعرض لها أحد بالمصادمة لأن حكومة تونس قد تقدمت حالتها الباطنية من التوافق مع فرنسا ومع ذلك فليس عندها تحت السلاح ألفا عسكري ولا اقتدار لها على معارضة فرنسا بالقوة ، واستندت ظاهرا إلى أمر الدولة العلية بارتكابها سبيل الملاينة ، وأظهر الوزير التونسي إذ ذاك التزام العمل برأي مجلس الشورى حيث فات الأبان مع أن جميع ما يتفاوض فيه يقرره إلى تابعه علي ابن الزي ليلا وهو يقرره إلى نائب فرنسا ، فكلما غزل المجلس غزلا نقضه لهم من هو بالمرصاد منهم حتى تعجبوا من اطلاعه على جميع أحوالهم ، وتمكنت عساكر فرنسا من بلد الكاف وباجة وابن زرت ، وفي أثناء تلك المدة كانت الحكومة التونسية لا تزال تسجل وتتشكى وأنها مستعدة لتربية قبائلها الذين هم في نفس الأمر إنما اتخذوا وسيلة فقط ، ومع ذلك فقد أوعز الوزير بواسطة تابعه المشار إليه إلى نائب فرنسا بأن لا واسطة مفيدة في الدخول تحت فرنسا إلا قدوم شرذمة من العساكر إلى قصر الوالي والإحاطة به ، إذ النسوة لما ترى ذلك تصعق بالخوف فيضطر الوالي إلى الإمضاء على الشروط ويجد العذر عند الأهالي ، ومع ذلك أرسل خبرا بالسلك الكهربائي إلى الباب العالي يقول إنه قد علم أن فرنسا تطلب عقد شروط ولا يعلم ما هي فماذا يعمل؟ فأجيب من الباب : بأن يحيل كل ما يطلب منه على الباب العالي ولا يمضي شيئا ، وقبل ذلك أشاع أصحاب الأخبار أن في عزم الدولة إرسال