خير الدين باشا إلى تونس معتمدا في حسم النازلة لمعرفته بأحوالها وسياسة الأهالي والأجانب ، ولكي يكون عونا على إبقاء الحالة المعروفة ، فأرسل الوالي تلغرافا إلى الباب يطلب أن يكون المرسل غير المشار إليه وتعجب كل غافل عن المقاصد الخفية من ذلك الطلب ، إذ تلك الحالة لا تدع مجالا للشخصيات سيما وقد سبقت من خير الدين إلى الوالي المشار إليه المجاملة وعدم الإكتراث بما فعل معه عند حلوله بالاستانة وترقيه فيها ، لكن المطلع على الباطن زاده ذلك تيقنا في التواطؤ على تلك الأعمال لأن وجود مثل خير الدين في تونس لا يروج عليه ما يروج على غيره ممن لم يثافن طبائع الشقين ، ومع مجاراة الباب العالي وتقليله لمواقع النزاع قدر الإمكان لتأمين الوالي حيث أظهر الميل إلى الدولة ، فإنه أي الوالي أسرع إلى إمضاء الشروط مع فرنسا والحال أن مداد الحبر من الباب العالي بنهيه عن الإمضاء لم يجف ولم يخبر الباب بعد ذلك بشيء حتى سأله عما شاع من إمضائه فأجابه بأنه مكره عليه ، وكل ما ورد بعد ذلك من الباب سلمه إلى نائب فرنسا مدعيا أن الشروط قاضية بذلك وهذا نص تعريب المعاهدة.
إن دولة جمهورية فرنسا ودولة باي تونس أرادوا أن يقطعوا بالمرة التحيير المخرب الذي وقع قريبا في حدود الدولتين وفي شطوط تونس ، وأرادوا أن يربطوا مخالطتهم القديمة التي هي مخالطة مودة وجوار حسن ، فاعتمدوا على ذلك وعقدوا معاهدة في نفع الجهتين المهمتين ، فعلى موجب ذلك رئيس الجمهورية الفرنساوية سمى وكيله موسيو الجنرال «بريار» الذي يتفق مع حضرة الباي السامية على الشروط الآتية.
أولا : المعاهدات الصلحية والودادية والتجارية وغيرها الموجودة الآن بين الجمهورية الفرنساوية وحضرة الباي يتحتم تقريرها واستمرارها.
ثانيا : ليسهل لدولة الجمهورية إتمام الطرق للتوصل إلى المقصود الذي يعني الجهتين العظيمتين فحضرة الباي ترضى بأن الحكم العسكري الفرنساوي يضع العساكر في المواضع التي يراها لازمة لتتقرر وترجع الراحة والأمان في الحدود والشطوط ، وخروج العساكر يكون عند ما يتوافق الحكم العسكري الفرنساوي والتونسي على أن الدولة التونسية تقدر على تقرر الراحة.
ثالثا : دولة الجمهورية تتعهد لحضرة الباي بأن يستند عليها دائما وهي تدافع عن جميع ما يتخوف منه لضرر ما إما في نفسه أو في عائلته أو فيما يحير دولته.
رابعا : دولة الجمهورية الفرنساوية تضمن في إجراء المعاهدات الموجودة الآن بين دولة تونس والدول المختلفة الأوروباوية.
خامسا : دولة الجمهورية الفرنساوية تحضر نحو حضرة الباي وزيرا مقيما لينظر في إجراء هاته المعاهدة وهو يكون واسطة فيما يتعلق بالدولة الفرنساوية وذوي الأمر والنهي التونسيين ، وفي كل الأمور المشتركة بين المملكتين.