هو خروج طرف منه عن غطاء الصندوق فأمكن للسارق جذبه. ثم أقمنا برومة ستة أيام واجتمعت بأشهر أطبائها وهو الحكيم «باشلي» الذي هو أحد أعضاء مجلس النواب ، وإجمال صفة هاته البلدة أنها بلدة وسيعة سكانها نحو ثلاثمائة ألف نسمة ولهم حضارة على أهالي نابلي ، وطرقها كلها مبلطة نظيفة أما الطرق الخارجة عن البلد فهي وإن كانت صناعية غير أنها بها الطين بكثرة وإن لم يعطل العجلات ، وأحسن ما يقصد بالتفرج عليه في رومة هو كنيستها الكبرى المسماة ، «بصان باولو» التي هي أشهر مباني العالم في ارتفاع قبتها وضخامة بنائها ، وهي مستطيلة الشكل ذات قباب كثيرة ووسطاها هي أعلاها وحيطانها مكسوة بقطع من المرمر منه الخلقي ومنه الصناعي كل قطعة في طول نحو عشرة أذرع وعرض نحو خمسة أذرع وبعض الحيطان مكسو بقطع من «الموزايكو» متقنة التصوير ، والقباب كلها مكسوة بذلك أيضا والقباب مرفوعة على أسطوانات من المرمر الخلقي وبعضها صناعي وليست مستوية السمك وبعضها في قطعتين أو ثلاثة ومحيط كل واحدة من الخلقية أربعة عشر شبرا وقواعد القباب مبنية بناء ضخما جدا بحيث أن هاته الكنيسة قد أفردت بتأليف خاص من أحد حذاقهم لما اشتملت عليه من إتقان البناء وضخامته.
وبلصقها قصر البابا ويسمى «الفاتيكان» (١) وهو أكبر القصور الملكية يحتوي على إثني عشر ألف بيت وبه خزانة كتب رفيعة هي أحسن خزائن إيطاليا وبها كتب كثيرة بالخط منها العتيق ومنها نسخة من الإنجيل باللغة الحميرية العربية مكتوبة قبل البعثة بنحو مائتين سنة ، وفيها نص الآية القرآنية حكاية لقول عيسى عليهالسلام وهي قوله تعالى : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف : ٦]. وقد اطلع على تلك النسخة أحد الإنكليزيين في هذا القصر ورويت ذلك عن ثقة روى عنه ، وذلك القصر فيه من غرائب المصنوعات والذخائر الثمينة شيء كثير حيث كانت تجبي إلى البابا جميع النصارى الكاتوليك وملوكهم من ممالكهم تقربا إليه لملكه الروحاني زيادة عن الملك الجسماني الذي كان له في مملكة رومة ، وقد زال ذلك باتحاد إيطاليا وآخر بابا كان جامعا بين الملكين هو «بيو التاسع» (٢) وهو الموجود حين مررنا على رومة لكنه منذ افتك منه الملك الحسي بقي منعكفا في قصره وله التصرف في الديانة فقط على سائر الكاتوليك في جميع الممالك سواء ، وأبقت له دولة إيطاليا جميع ما في قصره وما في الكنيسة من الذخائر واستولت على كل ما عدا ذلك ،
__________________
(١) الفاتيكان : Vatican مقام البابوات في روما ويتألف من البلاط والمتاحف والمكتبة التي تعد أهم مكتبات العالم (نحو ٠٠٠ ، ٦٧ مخطوط وأكثر من نصف مليون كتاب) ودولة الفاتيكان : دولة اعترفت بها إيطاليا في معاهدة «لا تران» (عام ١٩٢٩) رئيسها البابا ، مساحتها نحو ٤٤ هكتارا ، عدد سكانها لا يتجاوز الألف شخص. انظر المنجد ص (٥١٦).
(٢) هو بيوس التاسع (١٨٤٦ ـ ١٨٧٨) وترتيبه رقم (٢٥٤) في عهده تمت الوحدة الإيطالية ، أعلن عقيدتي الحبل بلادنس سنة ١٨٥٤ والعصمة البابوية سنة ١٨٧٠. عقد المجمع الفاتيكاني الأول. المصدر السابق ص (١٧٩).