وبعد أن تفرجنا في الكنيسة الكبرى سألنا هل يمكن التفرج في قصر البابا؟ فأجبنا بأن ذلك اليوم لا يتيسر بل نعود بعد أيام وكان ذلك بعد استئذان البابا ، ومن غد اجتمعنا بالمطران درعوني الذي هو من نصارى الشام وله دير في أعالي رومة ومعه كثير من نصارى الشام المتقسسين وهو ذو أخلاق لطيفة فصيح بالعربية وكذلك من حوله ، وسبب الاجتماع به أنه ساكن حذو كنيسة متقنة الشكل والبناء مما يقصد بالتفرج عليه فحصلت المعرفة معه من هناك ، وكان مما ذكر لنا أن البابا يريد الإجتماع بنا عند الدخول إلى قصره وأنه كلفه بالحضور ليكون ترجمانا عنه فاعتذرنا إليه بأنا على سفر ولا تيسر التأخير لذلك فلم ندخل القصر ولا اجتمعنا بصاحبه إذ لا ملجىء إلى تعظيمه ، مع أن الداخل عليه يلزمه تعظيمه كتعظيم الملوك بل ملوكهم يؤدون إليه مزيد التعظيم كأنه هو ملكهم ، ولا داعي لذلك إلا أمر ديني ، وديانتنا الإسلامية تمنع التعظيم الذي يكون مسببا عن ذلك.
واعلم أنه منذ استولت دولة «الصاردو» على جميع ممالك إيطاليا وأجرت الحرية حتى في الديانات فالداخل للكنائس لا يلزمه تعظيم شعائرها كما كان من قبل بل لا يفعل شيئا يخالف ديانته فكأنه يتفرج في قصر من القصور ، كما أنه ليس له أن يفعل شيئا من الإهانات ، وحيث أن المسلم يدخل إليهم بأمان فليس له التعرض لأذايتهم كما أنه ليس له خيانتهم ، ثم إن أمام كل من قصر البابا والكنيسة الكبرى بطحاء عظيمة وسيعة جدا وبها عدة فوارات وأشجار وفوانيس وهكذا كل بلاد تشعل بالفوانيس ليلا ، ويشق بلد رومة نهر يحمل القوارب وإذا طمى ربما أضر بالمجاورين ، وهو آت من جهة الشمال ذاهب جهة الجنوب ، وخارج البلدة الآن الكنيسة القديمة وهي الآن خراب وإنما يوجد منها أساسها وأطلال من جدرانها وقد علت الأرض عليها كثيرا فكشف عنها وبقيت عبرة للناظرين وهي أوسع من الكنيسة الموجودة الآن الكبرى ، كما يوجد بقربها ملهى قديم مثلها في الخراب على نحو ما سبق في صفة ملهى بونباي ، وقيل إنه دار الندوة إذ ذاك وهو كبير جدا ، وفي رومة أيضا منزه عمومي في الجبل ذو مماشي وحدائق وفوارات في أعلى الجبل وهو نزه ، أما غير ما ذكر فليس في رومة معامل أو أماكن تقصد للتفرج سوى ما هو خارجها من آثار بناآت الرومان في القديم وفيها ملاهي كثيرة متقنة اللعب لشهرة الطليانيين بذلك على غيرهم ، ودور الأهالي غالبا ليست بمتقنة النظافة وأسعارها في السكنى والمأكل وغيرهما غالية بالنسبة لبقية إيطاليا ، وهواء رومة وخم بسبب أن المرج التي قربها يركد فيها الماء لانخفاضها عما يحول بينها وبين البحر ، كما أن الكنائس بها كثيرة ولكل جرس فإذا دق جرس الكنيسة الكبرى دقت الأجراس من جميع الجهات وصار لها دوي يقلق الساكن ويقرب من ذلك نابلي أيضا ، ثم إنا قدمنا إلى مجلس النواب الذي كان إذ ذاك مفتوحا وهو يشتمل على خمسمائة عضو فإذا هم أناس يتدبرون في أمرهم ويتشاورون فيه بغاية الإطلاق ، وصادفنا في حضورنا البحث في نازلة مالية وهي أن وزير المال عرض على المجلس أن دخل الدولة غير واف بمصاريفها ولتعديل ذلك تلزم الزيادة في الدخل ، وقد