رأت الدولة أن الأنسب في الزيادة هو زيادة الضريبة على السلاح فوقع نزاع في أصل الزيادة ، وكان أشد المضادين نواب جزيرة «سيسيليا» إلى أن قال أحدهم : «إنك أيها الوزير لا تفكر إلا في الزيادة في الدخل بوضع الضرائب على السكان الذين أفقرتموهم لكي تأخذ أنت المرتبات الوافرة من دمائنا وكدنا إذا لم نقل بصرفك الأموال في شهواتك ومخفياتك» ، فنهره رئيس المجلس وألزمه الأدب في الكلام فعاد إلى كلامه وقال : «نعم يأخذون خفية ويحملوننا ما لا نطيق في أغراضهم وشهواتهم». فأسكته الرئيس وأطال عليه اللوم والنكير بعبارات شديدة حتى وسمه بالوحشية وأنه يضطر إلى إسكاته أو إخراجه من المجلس إن لم يلتزم آداب البحث فضج حزب المتعرض وقالوا : «ليس لكم منعنا من الدفاع عن حقوقنا وما أتينا إلى هنا إلا لحفظ حقوق الأمة من التلاعب بها» ، فأجابهم الرئيس بأن الحقوق يتوصل إليها مع سلوك الأدب فانقادوا إليه وطال النزاع في النازلة وأبقيت للمفاوضة يوما آخر ، وكان مكاتبو الصحف جالسين يحصون جميع ما يقال وما يقع حتى كتبوا نفس حضورنا لأنا كنا بلباسنا التونسي وذلك أوجب التفات الأنظار إلينا في أي مكان قصدناه ، حتى أن بعض البلدان التي ليس لأهلها تهذيب تام كان يزدحم علينا في الطريق العوام إلى أن يوقفونا بازدحامهم وأكثر ذلك في أهالي نابلي ، إلى أن التزمت فيها أن لا أخرج في الطريق إلا راكبا في عجلة وذلك لعدم تعودهم على رؤية مثل لباسنا.
وصفة هيئة مجلس النواب هو بيت كبير جدا يميل إلى الطول أكثر من التربيع وسقفه قبة مرتفعة شاهقة مؤنق في جدرانه وسقفه وأرضه وفي وسط صدره عرضا سدة ارتفاعها نحو ميتر على الأرض وفوقها كرسي وأمامه مائدة ، ويصعد إلى ذلك المحل بدرج يمينا وشمالا وهذا محل جلوس الرئيس وحوله كتبة وكراسيهم وموائدهم على الأرض ، وبقربهم في وسط البيت كراسي الوزراء وفي وسط البيت كراسي أربعة كتاب مخصوصين بمعرفة كتابة سريعة يتناوبون إثنين بعد إثنين في كتابة كل ما يلفظ به متكلم في المجلس ، وبقرب الرئيس منبر مرتفع قليلا يصعده خطباؤهم على التناوب بعد الإذن لهم من الرئيس يتكلمون في مصالحهم ، ثم كراسي منصوبة صفوفا صفا وراء صف على نحو دائرة مستطيلة ينتهي طرفاها حول الرئيس ، فالصف الأول كراسيه على الأرض والصف الذي وراءه كراسيه على سدة من خشب أعلى من الذي أمامه بدرجة من خشب ثم الذي وراءه أعلى منه وهكذا إلى نهاية الصفوف ، والدرج التي يصعد منها إلى الكراسي مقسمة لتلك الدائرة وكل قسم من الكراسي أمامه مائدة مستطيلة وفيها لكل كرسي فجر ودواة وأقلام لما يحتاجه صاحب الكرسي وكل كرسي عليه عدد مخصوص مرسوم عليه بلون مخالف للون الكرسي وفي أعلى البيت محيط به من جهاته إلا الجهة التي بها الرئيس رواقات يجلس بها المتفرجون ولصاحب الملك بيت بإزاء محل المتفرجين يأتيه إذا أراد كما له كرسي في المجلس ، وأما وظيفة المجلس فسيأتي الكلام عليها.
ثم رحلنا من رومة وقصدنا «ليفورنو» راكبين الرتل فإذا بقرب رومة آجام راكدة فيها