وعلم بذلك النبي صلىاللهعليهوسلم وهو في الصحيح (١) أيضا ، وغير ذلك إلى أن قال : وقال القرطبي وجمهور الأئمة أن ذبيحة كل نصراني حلال سواء كان من بني تغلب أو غيرهم وكذلك اليهود ، قال : ولا خلاف بين العلماء أن ما لا يحتاج إلى الذكاة كالطعام يجوز أكله الخ : «فتحصل مما مرحلية المسائل السبعة المذكورة من الطعام وأن الشك غير مؤثر فيها ، فإن قلت ؛ قد ذكرت أن بعض الطيور يخنقونها ويأكلونها بلا ذبح وأن بعض الأطعمة يجعل فيها شحم الخنزير فكيف الحكم في ذلك؟ فالجواب : أما الطعام الذي يتحقق فيه شحم الخنزير أو لحمه فهو حرام بالنص على نجاسة ذاته كما مر ، وطريق الوصول إلى التحقق إما برؤية ذاته من الآكل فيما نتبين فيه أو بغلبة الظن في الألوان التي جرت العادة بوضعه فيها أو بإخبار الطابخ أو المناول بأن يسأله الآكل هل في هذا شيء من لحم الخنزير أو شحمه فإن أخبره بالوجود امتنع وإلا حل ، لأن خبره مقبول في المعاملات وإن كان كافرا كما نص على ذلك في كتاب الحظر والإباحة من دواوين الفقه ، وصوروها بقول الكافر : اشتريت اللحم من كتابي فيحل أو من مجوسي فيحرم ، وصرحوا بأنه وإن آل خبره إلى ديانة يعمل به بخلاف ما إذا أخبر أولا عن حكم ديني كقوله : هذا طاهر أو نجس أو حلال أو حرام لجهله بذلك بخلاف المعاملات ، وهذا السؤال إنما هو على وجه الورع ، وإلا فالأصل فيما لم يتحقق فيه شيء من النجاسة هو الطهارة كما مر ، وينبغي أن يعلم أنهم لا يقصدون الآن غش المسلم بأكله المحرم عليه كما يتوهم بعض العامة ، إذ عندهم الإخبار بذلك كقولهم هو لحم دجاج أو لحم إوز ولا يعنيهم أمر الحرمة ، والحل عند المسلم بل جمهورهم لا يدري شيئا من ذلك.
وأما مسألة الخنق فإن كان لمجرد شك فلا تأثير له كما تقدم (٢) ، وإن كان لتحقق فلم أر حكم المسألة مصرحا به عندنا (٣). وقياسها على تحقق تسمية غير الله أنها محرمة عند الحنفية ، وأما عند من يرى الحل في مسألة التسمية كما هو مذهب جمع عظيم من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين فالقياس عليها يفيد الحلية ، حيث خصصوا بآية : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) [المائدة : ٥]. آية (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [الأنعام : ١٢١]. وآية : (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) [البقرة : ١٧٣]. وكذلك تكون مخصصة لآية
__________________
(١) الحديث في البخاري برقم [٣١٥٣ ـ ٥٥٠٨] وفي صحيح مسلم كتاب الجهاد رقم (٧٢) وفي النسائي كتاب الضحايا رقم (٣٨) وفي سنن الدارمي كتاب السير رقم (٥٦) وفي المسند ٣ / ٣١١.
(٢) لقد علمت أن ما كان موته بما لا حدّ له كأن مات بسبب التردي أو الغرق أو شيء يزهق الروح بثقله لا بحدّه فلا يحل أكله. وعلمت أيضا أنه لا يجوز الشروع في أكل اللحم مع الشك في ذكاته كما نص عليه كثير من الفقهاء ، لأن أمر اللحم في هذا أشد من أمر الجبن والحلوى والقريشة ونحوهم.
(٣) انظر الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيثمي ١ / ٤٥ والأشباه والنظائر للسيوطي ص (٧٤) والتاج والإكليل لمختصر خليل. ومواهب الجليل شرخ مختصر خليل ١ / ٣٠١ فقد صرحوا بتحريم اللحم الذي لم يعلم طريق حلّه وأن الشك في ذلك مجمع عليه.