المأمورون إلى أن أخذوا عشرة فرنكات ، وأقل مكرهم بمن لا يعطيهم تركهم لحوائجه أياما بدعوى كثرة شغلهم فهم من أخس المأمورين وأكثرهم سرقة كما علمت ذلك من التجار وغيرهم ، ثم دلني المطوف على دار اكتريت إحدى طبقاتها وأقمت هناك ثلاثة أيام ، وجدة بلدة على ساحل البحر هي مرسى الحجاز العظيمة للحجاج والتجارة من سائر الجهات ، وسكانها أغلبهم من العرب والهنود ثم المغاربة والأفارقيون حتى الإفرنج ، ولها أسواق رحيبة مسقفة وتكنس البلد وترش يوميا وتنور ليلا بزيت النفط ، وبها جوامع حسنة وماء شربها يؤتى به من بعد في قرب من مصانع وفساقي ، وهواؤها حار جدا رديء لأن أرضها مسبخة وبها بعض ديار جميلة المنظر لنواب الدول وبعض التجار ، وأغلب المباني الكبيرة للكراء فيها ملك للاشراف ، وبعد أن أتممت فيها لوازم السفر من الفرش والبسط وأحرمت منها حيث كنت قاصدا لها لمآرب لي فيها غير أني لم أنزع ثيابي وفديت عن لبسها بدم اكتريت جمالا لي ولأصحابي ، فركبت الهودج الذي اشتريته من هناك وهو مثل مهدين من عيدان مسمرة ومشدودة في بعضها على نصفين كل نصف طوله نحو ذراعين وعرضه ذراع أسفله الذي هو محل الجلوس ، حصير من عزف النخل مشدود في تلك العيدان وفي زواياه الأربع عيدان صاعدة نحو ذراعين ونصف ، ثم تقوس إلى أن تتصل ببعضها فيحصل منها شكل أربعة أقواس متقابلة ويشبك على نحو الربع الأسفل منها شباك من حبال جيدة من الحلفاء لتحمى الراكب من السقوط ، وذاك في جهة واحدة وهي جهة الجنب المقابل لظهر الجمل ، ثم يوصل كل من النصفين بصاحبه فيتألف من ذلك مهدان متلاصقان ممسوكان مع بعضهما بحبال متينة ولكل منهما أربعة أرجل تستند بها على الأرض إذا برك الجمل ، ثم يوضع على الجميع من فوق زربية أو كليم أو منسوج قطني على حسب إرادة صاحبه ويدلى ذلك مع الجنبين الخارجين ويخاط على تلك الأعواد ، ثم يجعل من فوق جلد بقر أو جمل ويخاط أيضا ليمنع نزول المطر إن وقع ، ثم يفرش كل من الشقين بزربية على عدة طبقات ومعها لحاف محشو قطنا ، ثم توضع عليه ستة أو ثمانية وسادات محشوة قطنا أيضا من جهاته الأربع ويشق بالقطع في الغطاء الشامل من الجهة الخارجية نحو طاقة لها ستارة من ذاتها ترفع وتنزل وتمسك بخيوط ، ويربط في قوائم الأقواس عدة جيوب من سعف النخل لوضع إناء الماء وغيره مما خف من ضروريات المسافر وزاده ، بحيث يصير كل من القسمين فراشا مريحا يضطجع به الراكب ويكون أمامه وخلفه مفتوحا وجنبه الذي من جهة رفيقه مفتوحا أيضا وجنبه الآخر به طاقة إن أراد فتحها وإلا أغلقها ، ثم يوضع الجميع على الجمل ويربط به ربطا محكما ويوضع سلم من خشب رقيق في مقدم الهودج المسمى بالشقدف ليصعد منه الراكب إلى شقه ويمسك الجمال الشق الآخر إلى أن يصعد إليه صاحبه أيضا ويعدلان في الثقل ويسير بهما الجمل ويلزم أن يكون جملا مؤنسا بذلك.
وكان ركوبنا بعد صلاة العصر خارج البلد ومع كون ذلك المركب متوسط الراحة وجدت في نفسي تعبا من سير الجمل المهين حتى حصل لي نوع من الدوار ، لكن إذا تأنس