به الإنسان يومين يزول عنه ذلك ويصير مرتاحا سوى الفرق بين قوّة الجمل وسيره ، فإن الضعيف والغير المؤنس يتعب مشيه التعب الزائد ، وكان عديلي أحد أتباعي وبقيتهم ركبوا على جمال الرحال ، وبعد أن سرنا عشيتنا وليلتنا وصباحنا ولم ننزل لسوى الصلاة في أوقاتها وصلنا عند الضحاء قرية تسمى «حدة» في صحراء مقفرة بها بعض عيون عذبة عليها شيء من النخل وعلى الطريق قهاوي من أعواد الحطب والحصير كثيرة العدد أكثرها فارغ لمن يريد النزول ، فنزلنا بها واكتريت اثنين منها ففرش لنا بها حصر وأتى لنا بماء فأكلنا من زادنا وأطعمنا الجمالين والقهوجي واسترحنا إلى بعد الظهر ، فركبنا ووصلنا مكة المشرفة بعد نصف الليل ولم نر في الطريق إلا أفرادا ، ويكثر المشي ليلا سيما على الحمير لأن كثيرا منهم من يركب من جدة إلى مكة على الحمير ، وهي سيارة فيصلونها في نحو تسع ساعات إلى إحدى عشرة ساعة ، لكن ذلك وإن كان فيه قلة الحصنة لكنه متعب فلذلك آثرت الجمل ، وعند الوصول إلى خارج مكة المشرفة سألت : هل يوجد حمام هناك:فأجاب : بأنه لا يوجد إلا الماء البارد ولم نستطع الإغتسال به ، فلذلك اكتفيت بالوضوء ، ثم تلقانا المطوّف وطلبت منه أن يكتفي بإعلامي بالأماكن والإعلام بالمشاعر ، كأن يقول لي : هذا باب السلام والكعبة مقابلة إليك أو عن يمينك إلى غير ذلك ، حيث كنت علمت أنهم يزيدون وينقصون ويدعون ويأتون بما لم يرد به الشرع ، وكنت استصحبت عدة كتب في الفقه وفي خصوص المناسك وأخذت منها ما يسره الله لفهمي ، غير أني وجدت في بعضها رسالة في المناسك لملا علي قاري فلم أنظر إليها ، لأن صاحبها له عجرفة في حق أبوي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلا يكون له عليّ أدنى منة وأغنانا الله عنه بتأليف علماء أمة رسول الله صلىاللهعليهوسلم المحبين في آله الكرام والمعظمين لجنابه العظيم عليه وعلى آله أكمل الصلاة والتسليم ، فأقبلت إلى باب السلام وأديت هناك ما ينبغي ونظرت إلى الكعبة المشرفة ولله الحمد ، ثم دخلت المسجد الحرام وطفت بالبيت الكريم وقبلت الحجر الأسعد وسعيت بين الصفا والمروة وأديت ما استطعت مما ينبغي في ذلك القدوم المبارك ، ثم توجه بي المطوف إلى دار وكيل تونس حيث كان ساكنا فيه كل من الأخيار الثقات السيد أحمد والسيد إسماعيل والسيد محمد أبناء زروق القادمون من تونس قبلي حجاجا ، وأقمت بقية تلك الليلة عندهم وصلينا الصبح في المسجد الحرام ، ثم أخذت منزلا أقمت فيه ولم يرد صاحبه أخذ كراء عليه وابتدأت رؤيتي لسوء أخلاق بعض الأهالي مما كان ينبغي لهم التحاشي عنه عفا الله عنا وعنهم ، وبعد أن أقمنا بضعة أيام تشرفت فيها بالدخول إلى داخل البيت المعظم بمحاسن أخلاق الفاضل الشيبي وذلك ليلا ، ولم يكن معنا إلا أفراد قليلون بحيث تيسر لنا التنعم بتلك البقعة العظيمة والتبرك بما احتوت عليه من المشاعر ، وكذلك تشرفت بالمثول بين يدي المولى الشريف المعظم صاحب الأخلاق الحسان والتواضع مع ما هو عليه من رفعة الشأن المقدس الشهيد سيدنا