جزيرة العرب وهو على مذهب الوهابي وله نفوذ تام وحكم عادل ذو هيبة وسطوة بحيث أن رقعة منه بيد حاملها تؤمنه في جميع الأنحاء من أواسط القارة ، ويجلس في مجلس حكمه ويحضر القاضي ومعه أحد العلماء بصفة المفتي ويقف حوله أصحاب الخيل من أعوانه ليرسلهم في الخصومات ، فإذا دخل المشتكي ألقى دعواه على القاضي ويجيب خصمه بما يظهر له ويحكم القاضي بما يراه فيستشير الأمير ذلك العالم الحاضر ، هل أن حكم القاضي موافق للشرع أم لا؟ فإن وافقه فيها وإلا تباحثا وما يرسي عليه ينفذه الأمير حالا ، وأما النوازل المتعلقة بالإدارة وحفظ الأمن فيحكم فيها باجتهاده مراعيا فيها الإنصاف والعدل بما لا يخرجها عن السياسة الشرعية مع الصرامة التامة في التنفيذ ، حتى أنه قيل : إنه أتاه يوما رجل وهو في مجلسه الحكمي وأخبره بأنه وجد عدلا لبعير ملقى في الطريق وهو مملوء بالرمل ولا يعلم صاحبه فأخبره به لكي يبلغه محله فسأله الأمير من أين علمت أنه رمل فقال له إني مسسته فقال له كيف مسسته وبأي يد فقال له مسسته بيدي هاته وأشار بإحدى يديه فما كان من الأمير إلا أن جرد سيفه وقطعها وقال له ما كان ينبغي لك أن تمسه حتى تعلم ما فيه ، وأي فائدة لك في ذلك لو لا نيتك الخيانة إذ لو وجدته شيئا مثمنا لما كنت أخبرت عنه ، ومن علم حالات القوم وطباعهم في هاته الأزمان يرى أن ذلك الحكم الصارم مطابق لما يقتضيه الحال إذ لم تأمن من ولايته ولم تستقر بها الراحة والهناء إلا بمثل ذلك الحكم ، وإذا أمر أحدا بأمر ولم ينفذه ولم تحمله قبيلته على تنفيذه ، فإنه يصدر في الحال أوامره إلى القبائل التي يمر عليها إلى جهة المأمور بحضور فرسانهم في وقت معين ، ثم يركب هو وفرسان جيشه وما مر بقبيلة من المأمورين المشار إليهم إلا انضموا إليه إلى أن يعظم جيشه فيصل إلى المأمور وقبيلته ويأخذهم أخذة رابية ويملك أرزاقهم لمن كان معه من المعسكر ، وبمثل ذلك نفذ أمره وعلا صيته وخضعت القبائل إليه مع كونه جوادا وفيا بالعهد عالي الهمة على شيمة كرام العرب.
وهاته البلدان المار ذكرها أغلبها به حصن أو بقربه حصن لإقامة العساكر للمحافظة على الأمن ، غير أن أغلب الحصون صار خرابا للإهمال ، وليس به حامية.
وأما مراسي الحجاز فأعظمها مرسى جدة ثم ينبع البحر وهاته هي أقرب المراسي إلى المدينة المنورة بحيث يصلها البريد في يوم وتبلغها القوافل في ثلاثة ، ثم بقية المراسي على قلتها ليس لها أهمية غير أن الموجود منها كلها ، هي مراسي أمينة للسفن لما خلقها الله عليه من إحاطة الصخور العظيمة حول الحوض الذي ترسي به السفن ، بحيث يصح أن يقال إن الذين انتخبوا تلك البقاع تجعلها بلدانا للمراسي هم من حذاق أهل التدبير واتساع المعارف بالصناعة البحرية ، فقد شاهدت كلا من مرستي جدة وينبع وحوض كلتيهما يسع مئين من السفن الضخام في أمن تام ولو عند تلاطم الأمواج التي كالجبال ، وأغلب الخريتين لا يدخلونها إلا بدليل من بحرية أهالي تلك المراسي ، وقد شاهدت الخريطة البحرية التي في الباخرة المصرية التي سافرت فيها إلى جدة معلما بها على جميع الحجارة المستورة بالبحر