جدا في طول الإنسان حيث أنه أتقن دقها بدون أن تكون أمامه ورقة التعليمات.
ومنها : ملهى «كران لوبره» الذي هو أبهى وأنظر من سائر القصور والملاهي واحتوى على الضخامة والتزويق والتأنيق والإسراف فدرجه المرمرية وشكلها ودرابزينها توقف الأبصار ، وهو ذو تسع طبقات للمتفرجين وإيوانين للمستريحين ، ويحمل خمسة آلاف من النفوس ، وينور بالكهرباء وأخبرت أنه صرف على إنشائه وتنميقه مائة مليون وأربعة عشر مليونا فرنكا.
ومنها : قصر «لكسنبورغ» وهو وإن لم يلحق نفاسة ما سبق ذكره من القصور لكنه عجيب ، وبجانبه دار الرصد العجيبة التي هي في أرفع ربوة بباريس ، وفيها من المرايا المكبرة أنواع شتى منها ما هو في حجم مدفع كبير وفيه بيت سقفه يدور على عجلات لكي تدور المرآة إلى أي جهة من السماء من غير مانع وترى منه الكواكب ليلا ونهارا فقد شاهدت نهارا بالمرآة نجم «الريفولوس» الذي لا يرى ليلا إلا بالمرآة ، وقال المدير : إن بعده عن الأرض أربعة وعشرون مليونا ميلا ، والحاصل أن في هذا المرصد جميع آلات علم الفلك وبه علماء مثابرون على الرصد والتفتيش على ما يمكن لهم الوصول إليه.
ومنها قصر معرض سنة ١٢٩٥ ه ١٨٧٨ م وهذا المعرض البديع الذي جعلت به باريس دار مأدبة لسكان الأرض واحتفلت بهم احتفال الكرام ، هو أبدع من جميع المعارض التي سبقته في جميع البلاد ولا يفهم من قولي احتفال الكرام أن القادمين تقوم بشؤنهم فرنسا بل كل منهم يصرف على نفسه ، وإنما المراد هو التهيؤ لإحضار ما تشتهيه أنفسهم وتلذ به أعينهم من كل ما يدخل تحت قدرة البشر ، ثم إنفاق النفقات الباهظة للمحافل العامة والمآدب التي يضعها كبراء الدولة أحيانا ويدعون إليها أعيان المسافرين والأهالي ، فإن دولة فرنسا قد دعت ملوك أوروبا وغيرهم من الأمراء والوزراء وكل من له اقتدار من غيرهم فإنه يأتي لمشاهدة ما لم يمكن الوصول إليه بسهولة حيث أنه يرى أنموذج جميع ما في الأرض كله بمحل واحد ، وقد كان ممن أجاب الدعوة من الملوك شاه إيران ومن غريب التواريخ ما قلته في رحلته تلك وهو قولي مؤرخا : قد زار أوروبا الشاه ناصر الدين «(١) سنة ١٢٩٥ ه لكنه قدم على غير الصورة الرسمية ، ولذلك سكن بأحد منازل المسافرين وذكرت الصحف أنه أفطر يوما ببلد «فونتين أبلو» التي حولها غابة ومنتزهات فكانت نفقته في ذلك الفطور أحد عشر ألف فرنك ، ولا يخفى أن سائر الأشياء كانت في تلك السنة في نهاية الغلاء بباريس لا سيما المأكولات والمشروبات بداخل المعرض لكثرة الواردين من الأقطار ، حتى قيل : إن معدل القادمين من الإنكليز كل يوم أربعمائة ألف ومثلهم الرائحون فضلا عن غيرهم من سائر الأقطار.
وقد اجتمعت مدة هذا المعرض بأعيان من العرب وغيرهم ، فمن أعزة أبناء وطني
__________________
(١) هو ناصر الدين شاه من سلالة قاجار (١٨٣١ ـ ١٨٩٦) شاه إيران (١٨٤٧) ولد في طهران وتجول في أوروبا وفتح أبواب بلاده للمدينة الحديثة ، حاصر هرات فاحتل الإنكليز جنوبي إيران واضطر إلى الإنسحاب انتشرت البهائية في عهده. اغتاله ميرزا رضا الكرماني المنجد ص (٧٠٤).