زوجها أو قريبها إلى عمل مناسبة للتعرف بالغريب سيما إذا كان لباسه على خلاف معتادهم ، وقد عينت الدولة لمصاريف تلك المواكب عدة ملايين فضلا عن مصاريف الليلة الحافلة التي أعدوها تذكارا للجمهور ، فقد روي أن مصروف الأهالي والمجلس البلدي في التنوير والتحسين والألعاب النارية تجاوز ستة عشر مليونا فرنكا ، وأن ثمن الرايات التي نشرت على طيقان الديار والطرقات تجاوز الأربعة ملايين ، وكان مركز ألعاب تلك الليلة هو بركة «أبوادي بولونيا» وقد اكترى بعضهم طاقة في الطبقة التي فوقي من الدار التي نسكنها للفرجة تلك الليلة بسبعمائة فرنك ، حيث كانت على النهج الكبير الموصل إلى محل الألعاب وكان المهندسون والعملة متهيئين لها منذ نصف شهر ، وعلقت الثريات والفوانيس على الطرقات قائمة على عيدان ومشبكة بالأشجار ، وما قرب غروب تلك الليلة إلا وانتشرت العساكر والخيالة في جميع المراكز حفظا للراحة وخشية من الأحزاب المضادين للجمهورية ، وما غربت الشمس إلا وناب عنها نور المصابيح ومنعت العجلات من السير في الطرق مطلقا وما بدت النجوم إلا وتصاعدت لها شماريخ البارود ترمي لها بباقات أزهار ألوانها المختلفة الأشكال ، وتراكم إزدحام خلق الله بما يذكر يوم الحشر الأكبر ودام الحال على ذلك وأصوات الموسيقى والبارود تتهادى من كل طرف إلى نحو الساعة الثالثة من بعد نصف الليل ، فرجعت العساكر الواقفون على البركة بخيلهم ورجلهم وبأيديهم فوانيس على عيدان والموسيقات تصدح بلحن «المرسيلياز» وهي قصيدة في إثارة الحمية لأهل الوطن كانوا أعلنوا بها في الثورة الكبرى سنة ١٨٣٠ لطلب الحرية ، وقد كان ترجم هاته القصيدة العلامة رفاعة باشا رحمهالله ونظمها ودونكها بنصها :
فهيا يا بني الأوطان هيا |
|
فوقت فخاركم لكم تهيا |
أقيموا الراية العظمى سويا |
|
وشنوا غارة الهيجا مليا |
عليكم بالسلاح أيا أهالي |
|
ونظم صفوفكم مثل اللآلى |
وخوضوا في دماء أولي الوبال |
|
فهم أعداؤكم في كل حال |
وجورهم غدا فيكم جليا |
|
بنا خوضوا دماء أولي الوبال |
أما تصغون أصوات العساكر |
|
كوحش قاطع البيداء كاسر |
وخبث طوية الفرق الفواجر |
|
ذبيح بنيكم بظبي البواتر |
ولا يبقون فيكم قط حيا |
|
عليكم إلى آخر الأبيات الثلاث |
فماذا تبتغي منا الجنود |
|
وهم همج وأخلاط عبيد |
كذا أهل الخيانة والوغود |
|
كذاك ملوك بغي لن يسودوا |
تعصبهم لنا لم يجد شيئا |
|
عليكم إلى آخره |
لمن جعلوا السلاسل والقيودا |
|
وأغلالا وأطوقا حديدا |