الحرير ، فكانت السكان قليلو الجولان في الطرقات إذ أغلبهم معتكف في المعامل وتجارة أهلها شهيرة في المعمور ، ورأيت فيها النفق في الجبل الذي يصعد فيه الرتل صعودا بينا ، حيث كان قسم من البلد في أعلى الجبل وقسم في أسفله فجعلوا طريقا حديديا ولتقريب الطريق واستقامته ثقب له الجبل حتى يصعد مستقيما وجعلت فيه حافلة وسيعة تحمل نحو خمسين نسمة ويجذبها للإصعاد حبل من سلوك من الحديد بآلة بخارية إلى أن تصل إلى أعلى الطريق فينزل الركاب منها ، ويسمى ذلك «بالتونيل» وأقمت بهاته البلد يوما وليلة وهي ليست إلا شغلا للتجارة.
وسادسها : بلدة «مارسيليا» التي هي أعظم مرسى تجارية لفرنسا بل وفي البحر الأبيض ، وهي بلدة كبيرة ذات جمال ونزهة وفيها حركة عظيمة للتجارة إلى سائر الأقطار ، وفيها أخلاط من السكان من سائر الأقطار وأحسن طرقها طريق «كانوبيار» فيه قهاوي ومقاعد ربما فاقت بجمالها على قهاوي باريس ، وفيها منتزه يسمى «اشاتودو» في أعلى مكان بها ومنه ينحدر الماء المجلوب إليه على حنايا ذات بناء متين ومحل انقسام الماء له منظر بديع من حسن البناء وتأنيقه وحوله حديقة نزهة ، وبها حيوانات عديدة من أنواع شتى ، ومن محلات نزهتها دار الآثار القديمة قرب شاطىء البحر وقرب محل السباق ، وأنزه قصر بها هو القصر المسمى أوتيل «دوديزيرف» المتخذ مطعما على ربوة من الجبل المحدق بالبلد يحيط بالقصر من جميع جهاته رواقات على أسطوانات بشكل جميل مع تنميق للبناء وحسن الفرش والمأكل ، يحيط به حديقة ظريفة فهو نزهة للخواطر ولولا أن منظره للبحر عشية تكدره الشمس لأنه غربي ، لكان أجمل ما رأيته من نوعه. أما قوة حركة التجارة بهاته البلدة فهي عبرة للمتبصرين وذلك أنك تشاهد من حركة العجلات والسفن والقوارب والأرتال وكثرة البضائع من أنواع شتى داخلة وخارجة إلى الصين وأمريكا وسائر الأقاليم ، وترى من المخازن التي هي حقيقية بإسم قرى لكبرها وكثرة ما فيها من السلع ما يحير الفكر ، كما أن قصر «البورس» بها يكاد يناكب بورس باريس. والحاصل أنها هي ثاني بلد لباريس فيما رأيته بفرنسا ، وأما مرساها فهي ذات حوضين عظيمين لا من السفن وترى فيها من البواخر وغيرها ما يشبه الغابات المحتبكة ، وقد وردت على هاته البلدة ثلاث مرات في سفراتي وأقمت بها عدة أيام ذهابا وإيابا.
وسابعها : بلدة «طلون» التي هي أول مرسى حربي على البحر الأبيض وهي بلدة حربية إذ لا نضارة لها ولا انشراح بالنسبة لغيرها ، لكن فيها من الحصون والأحواض لإنشاء السفن والمدرعات والمعامل لإنشاء المدافع والكلل والألغام البحرية وغير ذلك من قوات الحرب شيء كثير ، ورأيت فيها إحدى عشر حوضا بكل واحد سفينة مشتغل بإنشائها منها ما هو على تمام ومنها ما هو في البداءة والخلائق منكبون على الاجتهاد كالنمل في المصيف.
وقد كان سفري إليها سنة ١٢٩٥ ه ، وكان مصاحبا لي في الرتل سفير الصين القادم بالإستدعاء للمعرض وهو وزير البحر عندهم ، وهو رجل مسن شعره خفيف على عادة أهل