الصين وكل لحيته وشواربه بيض نحيف الجسم ومعه غلمان لا أدري أهم أبناؤه أم أتباعه ، ومعهم غيرهم من الأتباع مجموعهم نحو ثلاثة عشر رجلا ، وكان راكبا في حافلة منفردة هو وأتباعه والحافلة ذات مخادع ومقاصير ومرافق بحيث لم ينزل منها مدة السير إلى أن وصلنا إلى «طلون» فنزل هناك حيث أعدت له دولة فرنسا باخرة حربية ذات طبقتين من المدافع لتوصله إلى مرسى بلده في الصين وكانت الباخرة مباحة ذلك اليوم للمتفرجين ، والحاصل أن هاته البلدة بلدة حربية تظهر عليها سمات القوة والشارات العسكرية وأقمت بها نحو ستة ساعات.
وثامنها : بلدة «نيس» التي هي على شاطىء البحر وهي مأوى الأغنياء وذوي الترف من الفرنسيس وغيرهم من أهالي الأقطار الباردة في الشتاء ، وذلك لأن موقعها على جون مستقبل الجنوب ويحيط بها من بقية الجهات سلاسل جبال شاهقة تمنع عنها مرور الرياح الباردة فكانت مأوى في الشتاء حسنا ، وكثرت بها القصور والمباني الجميلة ومنازل المسافرين الرحيبة وجميع ديارها صغيرة لا تزيد على أربع طبقات سوى منازل المسافرين ، وذلك لأن عادة الإنكليز في بناءاتهم على ذلك النحو وهم أكثر القادمين إلى هاته البلدة ، ولأن غيرهم أيضا إنما يقدم منهم ذوو الترف المتعودين على سكنى الإنفراد فلذلك كانت مبانيها جميلة ظريفة ، وسياج حدائقها من الآجر أو الحجر مرصوف على أشكال حسنة ، والبلدة يشقها نهر تجري فيه المياه عند نزول الأمطار فقط وعليه عدة قناطر ، ولها عدة ملاهي لكن لما قدمت لها صيفا وجدت البلد كأنه خال عن السكان لقلة من به بالنسبة لكثرة البساتين والديار المنفردة وليس بها ملهى مشتغلا سوى الملهى الصيفي على شاطىء البحر ، ويقرب من هاته البلدة عدة بلدان هكذا على نحوها ظرافة ونزاهة وأقمت بها ليلة ويوما.
وتاسعها : بلدة «أياتشو» وهي قاعدة جزيرة قرسكا وهي مرسى أمنية صناعية ومن عاداتهم في المراسي أن البواخر مهما وصلت تتمم أشغالها الليل والنهار سواء فتحمل السلع وتنزل غيرها وكذلك الركاب بحيث أن ساعاتها المعينة لا تتأخر عنها ، ويجد المسافر في المرسى وحولها ضروريات ما يحتاج إليه وهي منورة وهاته البلدة ظريفة جميلة ذات أشجار كثيرة من النارنج والليمون فكانت رائحة الزهر عند دخولي إليها في الربيع عابقة ، وفيها بطحاء وسيعة بوسطها صورة نابليون الأول والدار التي ولد بها لا زالت على هيئتها وفرشها للتحفظ عليها كالمصالح العامة لأنه من رجال السياسة المعدودين في الدنيا ورقى اسم فرنسا إلى درجة عظيمة وهو في الأصل من عموم أهالي هاته البلدة ، وأقمت فيها بضع ساعات ولما أوقدت المصابيح ليلا عند الغروب ثم طلع البدر نقصوا النصف منها اقتصادا.
فهاته هي البلدان التي دخلتها وأقمت فيها بفرنسا في السفرات الثلاث ، وعند رجوعي إلى الوطن في السفرة الأولى راكبا من مرسيليا وكان ذلك في يناير الموافق لمحرم سنة ١٢٩٣ ه ليلا صادفت هيجانا عظيما في البحر حتى كادت أن تهلك الباخرة بمن فيها وانكسر منها عمودان من حديد معلق فيهما قاربا ومات ثلاثة من الخيل وانكسرت رجل