أحد الركاب ولم يستطع أحد ولو من النوتية أن يتحرك من محله ، وجاءني السفن صباحا بعد هدو البحر مهنيا بالسلامة وأخبرني أنه لم ير مثل تلك الليلة وأنه ربط نفسه بحبل مع عمود الباخرة ليستطيع الثبات في مكانه وما وصلت الباخرة إلى جزيرة كرسكا إلا بعد ميعادها بإثني عشر ساعة.
ومن غرائب المرائي أني رأيت في الليلة الثانية في البحر أن سنة من أسناني سقطت وكأن أحبائي سألوني عنها وكنت أسلي نفسي بأنها كانت غير ثابتة بل مضطربة ولذلك لم أجد ألما في نزعها فلما أفقت انقبضت من تلك الرؤيا ولم أعلم ما تشير إليه ، فلما وصلت إلى الوطن ظهر لي في أوجه الأحباب الملاقين غبارا وفي أثناء الطريق سرد عليّ الفاضل محمد السنوسي (١) هاته الأبيات قال :
فاشكر الهك واذكر النعم التي |
|
ردتك بعد تلاحم الأهوال |
فأتيت أرضك سالما وأعز ما |
|
تلقاه فيها فوزكم بالآل |
فترى بنيك من السلامة في حلى |
|
موصوفة منكم بكل كمال |
وجميع أهلك والأحبة كلهم |
|
يلقونكم بتساحب الأذيال |
هذي هي النعم التي لم نوفها |
|
حق الثناء على الولي المفضال |
وهو الذي أبقى إليك الأخت كي |
|
تسمو بعزك في حلى الإجلال |
إذ لم تصب في غير ليلة أمسنا |
|
والآن ترقب منك خير هلال |
فاشكر الهك صابرا متيقنا |
|
بجزيل فضل الواحد المتعالي |
فأعلمتني بوفاة أختي الوحيدة رحمها الله ونعمها وكنت تركتها مريضة بالسل فتوفيت ليلة قدومي بعد تلك الرؤيا بليلتين وحضرت جنازتها ، ولم أعلم بأن رؤيا مثل ذلك تدل على موت الأقارب إلا بعد أن حللت في الاستانة سنة ١٢٩٧ ه فذكر مثل في الوصول إلى المقصود بالملاطفة ، وهو أن أحد الملوك كان رأى أن جميع أسنانه سقطت ، فأتى بمعبر فقال له : سيموت جميع أهلك ، فبطش به ، ثم أتى بمعبر آخر فقال له : إن الملك أطول عمرا من جميع عائلته فأجازه ، فتعجبت بتذكر تلك الرؤيا إلى أن قال لي المتحدث : إن أمر هذا مشهور في علم الرؤيا فقلت نعم ها أنا قد شاهدته في نفسي لكني لا أريد معرفة هذا العلم لأنه يشوش الفكر ولا يكاد يتوصل إليه إلا قليل ، لأن له شروطا في الإحاطة بأحوال الرائي ووقت الرؤيا والإحاطة بالمرئي إلى غير ذلك وربما غفل عن شيء منها فيتغير المعنى ، وأما أصل العلم فلا شك في ثبوته (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا
__________________
(١) هو محمد بن عثمان بن محمد السنوسي أبو عبد الله (١٢٦٧ ـ ١٣١٨ ه) أديب له اشتغال بالتاريخ والنظم مولده ووفاته بتونس. كان يحرر جريدة الرائد التونسية الرسمية وعين حاكما في القسم الجنائي بمحكمة الوزارة بتونس ومدرسا بجامع الباشي فيها. له مجمع الدواوين التونسية ، جمع فيه دواوين الشعراء التونسيين المتأخرين في عدة مجلدات. الأعلام ٦ / ٢٦٣ شجرة النور الزكية (٤١٧).