رغبة في الخير أو لإتمام تعلمه لفن الطب حتى يأخذ الشهادة ممن له الإجازة على قوانين لهم في ذلك ، وللمارستان أيضا بيت أدوية ومواعين للجراحة والدواء وفيه قسم للرجال وآخر للنساء المرضى ، وهكذا كل مارستان غير أن بعضها يداوي مجانا وبعضها له أماكن لمن يريد التطبب من ذوي اليسار ، فيعطي مقدارا معينا يوميا والمستشفى يقوم بجميع ما يلزمه ، ويختارون التداوي في المستشفيات لأنها أتقن من مساكنهم سيما في التحفظ على ما يتعلق بالدواء وأداء الخدمة حقها مع مباشرة مشاهير الأطباء الذين يلزم لإتيانهم لمساكن المرضى مصاريف وافرة ، ومحلات هؤلاء المستأجرين في المستشفيات أنقى وأنظف وأبهى من المحلات العامة ويمكن لكل مريض أن يبقى في بيت خاص به صغير موافق في الهواء بحيث أن جميع حركات المستشفيات وأوضاعها على مقتضى الحكمة الطبية ، ثم إن مصاريف المستشفيات على أنواع : فمنها ما تقوم به الدولة ، ومنها ما يقوم به المجلس البلدي ، ومنها ما يقوم به لجنات من الأهالي ، وهذا في كل جهات أوروبا سواء ويقبلون الصدقة ممن يريدها ولو من السواح.
وشاهدت فيها أيضا الدار التي بها الآثار العتيقة ومنها الأشياء التي استخرجت من بلدة بونباي التي يأتي خبرها وهاته الآثار لو أراد الكاتب استيعابها للزم لها مجلد ضخم إذ هي مشتملة على أنواع وأشكال شتى من أقطار مختلفة ، فمما جلب من مصر المومي وهي ذات إنسان ميت مصبرة على ما كانت عليه منذ عدة آلاف من السنين لم يتغير منها شيء سوى أن اللون أسود وجوفه مثقوبة لإخراج جميع أحشائه وبقية حاله على ما كان عليه ، وفي هاته الدار نحو أربعة أجسام من ذلك النوع منها النساء ومنها الرجال وذواتهم لا تختلف عن ذوات البشر الموجود الآن ، لكن ليس فيهم ذو جسامة ولعل ذلك بسبب أن الميت المصبر إنما يكون عزيز قومه ومثل هؤلاء لا يموتون غالبا إلا بالأمراض والأمراض تنحف الأجسام فلذلك كانت أجسام الموميات نحافا ، وإلا فإن التصبير يحفظ الجسم على ما هو عليه ، ثم إن ذلك النوع من التصبير قد جهل ومع كثرة البحث عنه من حكماء الأعصار المتأخرة لم يطلع عليه فهو من العلوم التي فاز بها المتقدمون ودثرت.
ومن غرائب ما في هاته الدار أيضا قطع من ثياب منسوج من مادة حجرية وهذا المعدن يسمى أميانتو وهو الآن معروف وموجود لكن كيفية تمديده حتى يصير مغزولا وينسج منه مجهولة الآن وقد كان في الأعصر السالفة معلوما ، ومن فوائد تلك الثياب أنها لا تنحرق ، وإذا توسخت فغسلها بالنار وهي ثياب لينة تنطوي غير أنها ثخينة ، ومن غرائبها أيضا ما وجد من آثار بونباي وهي أشياء كثيرة من المأكولات وغيرها فرأيت فيها التمر والقمح والزيتون وغير ذلك مما مضى عليه ألفا سنة أو أزيد لم يتغير منه شيء سوى اسوداد في اللون ، وقالوا : «إن طعمه أيضا لم يتغير» وسمعت أنهم زرعوا حبوبا مما وجدوه كالقمح ونبت وأثمر مثل الجديد مما يدل على أن النوع واحد لم يتغير حاله مع طول الزمن ، وكل هاته الحبوب موضوعة على ترتيب حسن إلى غير ذلك من الآثار القديمة الموضوعة المنضمة في أماكن محفوظة نظيفة وعليها قيمون وتفتح يوميا لمن يريد التفرج