قال عروة : فلما كان ذلك من أمرهم ، علم الذين كانوا أشاروا على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أن يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضية : أن طاعة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» خير لهم فيما أحبوا وفيما كرهوا من رأي من ظن أن له قوة هي أفضل مما خص الله تعالى به رسوله «صلىاللهعليهوآله» من الفوز والكرامة.
ولما دخل رسول الله «صلىاللهعليهوآله» عام القضية ، وحلق رأسه قال : «هذا الذي وعدتكم» (١).
مصير أبي بصير :
إن من الأمور التي تؤلم الإنسان وتؤذي روحه هو أن يبذل جهدا مضنيا ، حتى إذا رأى : أنه قد حصل على مبتغاه ابتلي بفقده ، فكيف إذا استبدل بضده. فإن المصيبة عليه ستكون أعظم ، والألم سوف يكون أشد ..
وبمقدار ما يكون ذلك الشيء الذي يسعى له ثمينا وعزيزا ، وغاليا لديه ، بمقدار ما تتعذب روحه لفقده ، وتعظم مصيبته فيه ، فكيف إذا كان أثمن وأغلى ما في الوجود عليه ، وأعز عليه من كل عزيز ، وهو مستعد لأن يبذل من أجله ماله ، وولده ، وحتى روحه التي بين جنبيه ، فكيف يمكن لنا أن نتصور حاله حين يفقده ، بعد أن وجده؟!
وهذا بالذات هو ما جرى لأبي بصير الذي أفلت من قومه ، وجاء إلى المدينة سعيا على قدميه ، والآمال العذاب تراود خاطره ، بأن يملك حريته ،
__________________
(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٦١ ـ ٦٣ والبحار ج ٢٠ ص ١٤١ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٢ ص ٦٠ وج ١٥ ص ٢٥.