ارتكبت ، غير أن هذه العقوبة لا تعيد الناس إلى الهدى ، ولا تدفع مفسدة إضلالهم ، خصوصا إذا كان هذا الإضلال سينال أمة عظيمة كتلك التي يحكمها كسرى ..
ولا تزر وازرة وزر أخرى :
ومن جهة ثانية نقول :
صحيح أن الإيمان والكفر يقعان تحت اختيار الإنسان ، وصحيح أنه : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ..) وأنه : (لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).
ولكن من الصحيح أيضا : أن هناك من يسهم في إضلال الناس ، وفي تعمية الأمور عليهم ، ويعمل على إيقاعهم في الشكوك والشبهات ، أو هو على الأقل يسد منافذ الهداية ، ويحرمهم من فرص التعرف على الحق ، ومن الوصول إليه .. وهذا من أعظم الآثام ، ومن موجبات عقوبة الإله الملك العلام بلا ريب ..
فإذا كان كسرى أو قيصر قد أوجب حجب نور الهداية عن المجوس ، أو عن الأكّارين ، أو عن الأريسيّين ، واستضعفهم ، ومنعهم من السعي للوصول إليه ، والحصول عليه ، أو منع الناس المخلصين من إيصال الحق إليهم ، ومن إثارة دفائن عقولهم ، بالبراهين الساطعة ، والأدلة القاطعة ، فإنه سيكون هو المتحمل لإثم ما هم فيه من كفر وضلال ، وفساد وانحلال. وقد قال تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ ..) (١).
__________________
(١) الآية ١٣ من سورة العنكبوت.