بسم الله الرحمن الرحيم :
١ ـ إن أول ما يواجهنا في ذلك الكتاب هو أنه «صلىاللهعليهوآله» قد بدأه باسم الله ، ولم يبدأه باسمه «صلىاللهعليهوآله» هو ؛ مما يعني : أنه يريد أن يفهم كسرى : أن هذا النبي خاضع لله ، الذي لا يجد أحد حرجا في الخضوع له. ولا تعتبر الدعوة للاعتراف به والخضوع له ، والرجوع إليه تعالى إذلالا لأحد بقدر ما هي شرف ، وعزة ، وسؤدد وكرامة للبشر جميعا ..
٢ ـ يضاف إلى ذلك : أن هذا الاعتراف يمثل تحديد مرجعية لا غضاضة على البشر جميعا بالرجوع إليها ، والخضوع والالتزام بأوامرها ونواهيها ، والسعي لنيل رضاها ، وهي مرجعية ليست للبشر ، بل هي لله الغني بذاته ، الذي ليس له مصلحة مع أحد ، بل البشر كلهم بالنسبة إليه بمنزلة واحدة ، يعاملهم بالعدل ، ويجري عليهم أحكامه.
فالدعوة التي يعرضها على هذا الملك ليست دعوة لشخص ، يريد أن يستأثر لنفسه بشيء ، من حطام الدنيا ، بل هي دعوة لله سبحانه ..
٣ ـ ثم إنه هو الله الرحيم بعباده ، والقريب إليهم ، وليست هذه الرحمة أمرا عارضا له. بل هي من تجليات ذاته ، وباهر صفاته ..
٤ ـ والله تعالى هو المالك لكل شيء ، والغني عن العباد ، فهو إذن لا يحتاج إلى ملك كسرى ، ولا إلى ملك سواه ، ولذلك لم يطلب منه التخلي عنه ، بل طلب منه فقط : أن يخضع لأوامره ونواهيه ، وأن يكون في موضع رضاه ، لا رضا أحد من بني البشر ، وخضوعه لأوامر الله تعالى لا يزيد في ملكه ، ولا يضيف إليه شيئا من العظمة ، أو القوة والمجد ، وإنما هو أمر يعود نفعه عليه ، وهو كرامة وشرف له ..