فبعث سعد إلى المغيرة ، فانضم إليه وإلى رؤساء القبائل ، فأتوه ، فقدر الناس ، وعبأهم بشراف ، فأمر أمراء الأجناد ، وع رف العرفاء ، على كل عشرة رجلا ، كما كانت العرافات أزمان النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وكذلك كانت إلى أن فرض العطاء ، وأمر على الرايات رجالا من أهل النباهة ، وأمر على الأعشار رجالا من الناس لهم وسائل فى الإسلام ، وولى الحرب رجالا ، فولى على مقدماتها ومجنباتها وساقتها ومجرداتها وركبانها وطلائعها ، فلم يخرج من شراف إلا عن تعبئة ، ولا فصل منها إلا بكتاب عمر وإذنه.
قالوا فيما ذكر سيف عن رجاله : وبعث عمر ، رحمهالله ، الأطبة ، وبعث على قضاء الناس عبد الرحمن بن ربيعة الباهلى ، وجعل إليه الأقباض وقسمة الفيء ، وجعل داعيهم ورائدهم سلمان الفارسى. فكان أمراء التعبئة يلون الأمير والذين يلون أمراء التعبئة أمراء الأعشار ، والذين يلون أمراء الأعشار أصحاب الرايات ، والذين يلون أصحاب الرايات والقواد رؤساء القبائل ، فلما فرغ سعد من تعبئته وأعد لكل شيء من أمره جماعات ورؤساء كتب بذلك إلى عمر ، رحمهالله ، ولا خفاء بما بين مقتضى هذا الحديث وبين ما قبله من الاختلاف بالتأخر أو التقدم ، والله تعالى أعلم.
وبعث سعد فى مقامه بالقادسية إلى أسفل الفرات عاصم بن عمرو فسار حتى أتى ميسان ، فطلب بقرا وغنما فلم يقدر عليها ، وتحصنوا منه فى الأفدان ، وأوغلوا فى الآجام ، فضرب حتى أصاب رجلا على طف أجمة ، فسأله واستدله على البقر والغنم ، فحلف له ، وقال : ما أعلم ، وإذا هو راعى ما فى تلك الأجمة ، فصاح منها ثور : كذب والله وها نحن أولاء ، فدخل فاستاق الثيران وأتى بها العسكر ، فقسم ذلك سعد على الناس ، فأخصبوا أياما ، وهذا اليوم هو يوم الأباقر.
وذكر المدائنى أن حنظلة بن الربيع الأسيدى هو صاحب هذه الغارة ، وأنه أتى أسفل الفرات فلم يصب مغنما ولم يلق كيدا ، فرجع ، فلقوا رجلا ، فقالوا له : هل تعلم مكان أحد من عدونا بحضرتك؟ قال : لا ، قد رغبتموهم فخلوا عن مساكنهم ، قالوا : فتعلم مكان طعام ، أو شاء ، أو بقر؟ قال : لا ، وسمعوا خوار ثور من غيضة ، فدخلوها ، فأصابوا بقرا وغنما.
قال : وقال الحجاج لرجل من بنى أسد : أشهدت القادسية؟ قال : نعم ، قرمنا إلى اللحم فخرجت فى رجال من المسلمين نلتمس اللحم ، فأخفقنا ، فلما انصرفنا إذا بصوت عن أيماننا : ادخلوا الغيضة فإن فيها غنيمة وأجرا ، فدخلنا غيضة قريبا منا فإذا عشرة من