الأعاجم ، وإذا طعام وبقر وغنم ، فقاتلونا عما فى أيديهم ، فاستشهد منا رجلان ، وقتلنا منهم ثمانية ، وأسرنا رجلين فقتلناهما صبرا ، وحملنا الطعام ، واستقنا الشاء والبقر ، فقسم سعد ذلك بين المسلمين ، ونفل كل رجل منا قتل رجلا سلبه. فقال الحجاج : هذه بشرى من الله لأوليائه ، لا يكون ذلك حتى يكون الجمع برّا تقيا. فكيف كانوا؟ قال : لا تسأل عن صدق قول ، ووفاء بالعهد ، وأداء للأمانة ، وصبر عند البأس ، والله أعلم ما يسرون ، فأما الظاهر فإنا لم نر قوما قط أزهد فى دنيا ولا أشد لها بغضا ، ما اعتد على رجل منهم فى يوم بواحدة من ثلاث : لا بجبن ، ولا بغدر ، ولا بغلول ، أشداء على الكفار ، رحماء بينهم ، قال الحجاج : هذه صفة الأبرار.
وكتب عمر إلى سعد ، رضياللهعنهما : أخبرنى عن الناس وبلائهم ، أتفاضلت القبائل فيه ، أو أخرجوا على السواء؟ فكتب إليه : إن القبائل لم تزل إلى أن كتبت إليك متساوية فى كل غارة ، ومناهبة فى جميع ما أعدوا ، وقسم ما ناهبوا ، ولم يفترقوا إلا فى ثلاث ، لما نزلنا بلاد القوم وعسكرنا بالقادسية ، قرمت العرب إلى طعامهم ، وعاموا إلى شرابهم ، فانتدب لهم من مضر عاصم بن عمرو ، وسواد بن مالك ، ومالك بن ربيعة ، والمساور بن النعمان ، وغالب بن عبد الله ، وعبيد الله بن وهب ، وعبيد الله بن عمير الأشجعى ، وعمرو بن الهذيل الأسدي ، وعمرو بن ربيعة ، والحارث بن ذى البردين ، فألحموا الناس وألبنوهم حتى تفرغوا لحربهم ، وانتدب من ربيعة : عبد الله بن عامر بن حجية ، وأبجر بن جابر ، وخالد بن المعمر ، وعائذ بن أبى مرضية ، ويزيد بن مسهر ، وسمى آخرين ، فأنكحوا الناس وأخدموهم بنات فارس ، وبنيهم ، فرغبوا فى حربهم. وانتدب من أهل اليمن : خولى بن عمرو ، والحارث بن الحارث ، وعمرو بن خوثعة ، والقاسم بن عقيل ، وخميصة بن النعمان ، وسمى غيرهم ، فحملوا الناس على خيول وبغال وحمير ، ودعوا الخيل العراب.
وأقام سعد بالمسلمين فى منزله من القادسية ، ورستم بالحيرة ، وكف رستم عن القتال ، وطمع أن يضجر المسلمون بمكانهم ، وكف سعد عنهم والمسلمون ، وصبروا رجاء أن يصالحوا عن بلادهم ويعطوا الجزية ويسلموا.
وكان عمرا ، رحمهالله ، قد عرف أن القوم سيطاولونهم فلذلك ما عهد إلى سعد والمسلمين أن ينزلوا على حدود أرضهم وأن يطاولوهم أبدا حتى ينقضوهم ، فحينئذ نزلوا القادسية وقد وطنوا أنفسهم على الصبر ، وأبى الله إلا أن يتم نوره ، وإذا أراد الله أمرا أصابه ، فأقاموا واطمأنوا ، فكانوا يغيرون على السواد ، فانتسفوا ما يليهم فحووه ، وأعدوا للمطاولة ، أو يفتح عليهم.