الخامس : بعد مبدأ خروجه من مصبه إلى البحر الملح وقد تقدم من طول مسافته ما لا نجده فى نهر غيره.
السادس : انحداره من علو ، فإن الجنوب مرتفع على الشمال لا سيما وإذا صار إلى الجنادل انحط من أعلى جبل مرتفع إلى وادى مصر.
وذكر ابن قتيبة فى كتاب غريب الحديث جرير بن عبد الله البجلى (١) حين سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن منزله ببلنسة فذكره إلى أن قال : وماؤنا [ق ٨٤ ب] يمتنع أن يجرى من علو ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم «خير الماء السنم» (٢) أى ما كان ظاهرا على الأرض.
وقال بعض المفسرين فى قوله تعالى (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ])(٣) أى يمزج بما ينزل من علو لمصر.
السابع : أنه يمر من الجنوب إلى الشمال فتستقبله ريح الشمال الطيبة دائما.
الثامن : خفته فى الوزن ، وقد اعتبر ذلك غير مرة مع غيره من المياه فخف عنها فى الوزن.
التاسع : عذوبة طعمه وحسن أثره فى هضم الغذاء ، واحداره عن المعدة بحيث أنه يحدث بعد شربه جشاء.
وهذه صفات ممن قد مارس العلم الطبيعى وعرف الطب ، فإنه يعظم عنده قدر ماء النيل وتبين لك غزارة نفعه وكثرة محاسنه.
ويقال أن ذا القرنين كتب كتابا فيه ذكر ما شاهده من عجائب الدنيا ، فضمنه كل عجيبة ، ثم قال فى آخره : وليس ذلك يعجب ولكن [٨٥ أ] العجب نيل مصر.
وقال بعض الحكماء : لو لا ما جعل الله فى نيل مصر من حكمه الزيادة فى زمن الصيف
__________________
(١) سبق التحدث عنه.
(٢) ورد فى صحيح البخارى وسنن ابن ماجه والترمذى.
(٣) ٢٧ ك المطففين ٨٣.