والمد الشهرى هو أن يقابل القمر الشمس أو يستتر تحتها ، ليس إلا كون القمر قباله الشمس لكونه في تربيع الشمس أضعف ، وفي المقابلة أقوي وكذلك إذا قابلها علي وسط كرة الأرض ، بحيث الحركة أشد والأكتناف للماء والأرض أعم فذلك هو المد السنوى.
فصل
«فى الرد على من أعتقد
أن النيل من سيل يفيض»
أما العامة فليس عندهم ما يجىء علي وجه الأرض إلا سيل. ومن تفطن إلى عظمه واتساعه في أسفله وضيقه في أعلاه ، ولم ينظر إلى ماء ولا أرض ولا هواء ، ينسب ذلك إلى الخيال المحض ، كما فعل صاحب (١) كتاب «المسالك والممالك» الذى زعم أن الماء يسافر من كل أرض وموطن إلى النيل تحت الأرض فيمده لأن النيل إنما يفيض فى الخريف ، والعيون والأبار فى ذلك الوقت يقل ماؤها ، والنيل يكثر فرأوا كثرة وقلة فأضافوا أحدهما إلى الآخر بالخيال.
وقال آخر : إنما ذلك ملك يضع رجليه [ق ٦٢ أ] في الماء فيكثر ويزيلها عن الماء فيقل ومما يدلك أنه ليس على سبيل أن السيل يكون فى غير وقت فيض البحر فلا يفيض النيل لكون البحر في الجزر فيصل السيل وتمر نحو البحر فلا يردعه رادع ، ومنها أن فيض النيل على تدرج مدة ثلاثة أشهر من حلول الشمس برأس السرطان إلى حلولها آخر برج السنبلة والناس يحسنون به قبل فيضة بمدة شهرين ، ولعامل مصر في وسط النيل مقياس موضوع ، وهو سارية فيها خطوط يسمونها أذرعا يعلم بها مقدار صعوده في كل يوم.
__________________
(١) هو أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن خرداذبة مؤرخ جغرافى فارسى الأصل من أهل بغداد ، كان جده خرداذبة مجوسيا أسلم على يد البرامكة ، واتصل عبيد الله بالمعتمد العباسى فولاه البريد والخبر بنواحى الجبل وجعله من ندمائه ، له تصانيف ، منها المسالك والممالك وجمهرة أنساب الفرس واللهو والملاهي والشراب والندماء والجلساء وآدب السماع ، ولد سنة ٢٠٥ ه / ٨٢٠ م ومات سنة ٢٨٠ ه / ٨٩٣ م.