ذكر صحراء عيذاب
أعلم أن الحجاج المصرى والمغرب أقاموا نحو من مائتى سنة لا يتوجهون إلى مكة إلا من صحراء عيذاب يركبون النيل من ساحل مدينة مصر إلي قوص ثم يركبون الإبل من قوص إلى صحراء هيذاب ، ثم ينزلون فى جلباب إلى ساحل جدة ، ومن جدة إلى مكة إن كانت أحمال البهار تودع بها والقفول صاعدة وهابطه لا يعترض لها أحد من العربان ولا من غيرهم ، ولم تزل مسلكا للحجاج ذهابا وإيابا من سنة خمسين وأربعمائة إلى سنة ستين وستمائة وذلك منذ كانت الشدة العظمة [١٧٥ أ] فى أيام الخليفة المستنصر بالله أبى تميم معد بن الظاهر الفاطمى ، وانقطع الحج من البر إلي أن كانت دولة الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقدارى وقد كسا الكعبة وعمل بها بابا جديدا مصفحا بالفضة ومفتاحا حديدا وأخرجت قافلة الحاج فى البر وذلك فى سنة ستين وستمائة فتلاشى أمر قوص من حينئذ ، وهذه الصحراء مسافتها من قوص إلي عيذاب سبعة عشر يوما ويفقد فيها الماء ثلاثة أيام متوالية وقيل أربعة أيام ، وكانت عيذاب مدينة على ساحل بحر جدة وأكثر بيوتها أخصاص وكانت من أعظم مراسى الدنيا بسبب أن مراكب الهند واليمن لا ترسى إلا فيها بالبضائع وتقلع منها وكذلك مراكب الحجاج فلما تتلاشى أمرها صارت جدة هى الميناء إلى يومنا هذا ويقال أن فى بحر عيذاب مغاصى اللؤلؤ في جزاير قريبة منها ، يخرج إليه الغواصون فى وقت معين من السنة ويعودون بما قسم لهم من الؤلؤ ، والمغاص فى ذلك المكان قريب القاع ، وكان عيذاب جرد إلا نبات بها وكل ما يوكل بها مجلوب إليها حتى الماء وكان [ق ١٧٥ ب] فيها من البيع والشرى فوائد لا تحصى على الحجاج والتجار وغير ذلك.
وكان الحجاج يجدون فى ركوبهم من عيذاب وإلى جدة فى الجلباب أهوال عظيمة من كثرة الرياح فى البحر فتلقيهم فى صحارى بعيدة مما يلى الجنوب فيقيمون هناك حتى يهلكوا عطشا وجوعا وجلباتهم الذى يحملون فيها الحجاج فى البحر لا يستعمل فيها مسامير ، إنما يحيطوا خشبها بالقنبار وقلاع هذه الجلبات من حوض شجر المقل وأنهم يبايعون فى أشحان الجلبات بالناس حتى يبقى بعضهم فوق بعض حرصا على الأجرة ولا يبالون بما يصيب الناس فى البحر من الغرق ، بل يقولون دائما علينا بالألواح وعلى الحجاج بالأرواح وأهل عيذاب قوم لا دين لهم ولا عقل ورجالهم ونسائهم دائما عوراتهم مكشوفة ، وفيهم من يتستر بالخرق وذلك من شدة.