ذكر مدينة بلاق
أعلم أن بلاق آخر حصين المسلمين وهى جزيرة بقرب من الجنادل يحيط بها النيل فيها خلق كثيرة من الناس ، وبها منبر وجامع وإليها ينتهى سفن التوبة وسفن المسلمين من أسوان ، ومن أسوان إلى هذا الموضع جنادل فى البحر لا تسلكها المراكب إلا بالحيلة لصعوبة ذلك الموضع.
ذكر حائط العجوز
كان حصنا لأرض مصر وكان فيه محارس ومجارس ، ومن ورائه خليج يجرى فيه الماء معقود عليه القناطر عملته دلوكة بنت زباء [ق ١٧٤ أ] وقد تهدم ولم يبق منه إلا يسير.
قال ابن عبد الحكم فى كتاب فتوح مصر : وبقيت مصر بعد غرق فرعون وجنوده ليس من إشراف أهلها أحد ولم يبق بها إلا العبيد والأجراء والنساء وهن أعظم أشراف مصر فاجمعن رأيهن على أن تولين امرأة منهن وهى دلوكة المذكورة.
وكانت ذات عقل ومعرفة وهى يومئذ بنت مائة وستين سنة فملكوها عليهم فخافت أن تتهاون بها الملوك الذين كانوا حولها فجمعت نساء الأشراف الذى كانوا بمصر وقالت لهن أن بلادنا لم تكن تطمع فيها الملوك والآن قد هلك أكابرنا وأشرافنا وقد رأيت أن ابنى حصنا يحيطه بجميع بلادنا وأصنع عليه المحارس من كل ناحية من أن يطمع فينا من حولنا من الملوك ، فقالوا لها أفعلى ما بدا لك فبنت عند ذلك هذه الحائط وقد أحاطت على جميع أرض مصر كلها من المدائن والقرى وجعلت خلفها خليجا فيه الماء ، وأقامت عليه القناطر وجعلت عليه مجارس على كل ثلاثة أميال ورجال وأجرت عليهم الأرزاق [ق ١٧٤ ب] وأمرتهم أن تحركوا الأجراس إذا أتاهم آت يخافونه فيأتيهم الخبر من أى وجه كان فى ساعة واحدة فيستعدون لذلك فمنعت بذلك مصر من أرادها وفرغت من بناها في ستة أشهر وهو الجدار الذى يقال له حائط العجوز وقد بقيت منه بالصعيد بقايا كثيرة وقد تقدمت هذه الحكاية فى أول الكتاب.