ذكر الطريق
فيما بين مدينة مصر ودمشق
أعلم أن هذا الدرب الذى تسلكه العساكر والتجار وغيرهم من القاهرة إلى مدينة غزة ، ليس هو الدرب الذى كان يسلك فى قديم الزمان من مصر إلي الشام ، وإنما ظهر هذا الدرب أو لا قبل إستيلاء الفرنج على سواحل البلاد الشامية غير هذا الدرب.
قال ابن خرداذبة فى كتاب المسالك والممالك : إنما كان الدرب المسلوك من مصر إلى دمشق على غير ما هو الآن ، فكان المسافر يسلك من بلبيس إلى [ق ١٩٧ ب] الفرما فى البلاد الذى تعرف اليوم ببلاد السباخ من أرض الحوف ، ويسلك من الفرما وهى أقرب من قطيا إلى أم العرب ، وهى بلد خراب على شاطىء بحر المالح فيما قطيا والورادة.
ويقال أن بعض الناس إلى يومنا هذا يحفرون فى كيانها فيجدون دراهم من الفضة الخالصة. فلما خرج الفرنج من بحر القسطنطينية فى سنة تسعين وأربعمائة لأخذ البلاد من أيدى المسلمين ، وصار الدرب مخوف واستولوا على بيت المقدس إلى أن كانت دولة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب واستخلص بيت المقدس من أيدى الفرنج وذلك فى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة ، وافتتح منهم عدة بلاد بالساحل فصار من ذلك الوقت يسلك هذا الدرب الآن من حينئذ إلى أن كانت دولة الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل ابن الملك العادل فأنشأ بأرض السالح على طرف الرمل بلدة الذى عرفت به وهى الصالحية وذلك فى سنة أربع وأربعين [ق ١٩٨ أ] وستمائة ، وصار ينزل فيها ويقيم بها ، فلما كانت دولة الظاهر بيبرس البندقدارى رتب البريد في سائر الطرقات حتى كان الخبر يصل من قلعة الجبل إلى دمشق فى أربعة أيام ويعود فى مثلها فصارت أخبار بلاد الشمال ترد إليه فى كل جمعة مرتين ، وانفق على ذلك مالا عظيما حتى تم ترتيبه وكان ذلك فى سنة تسع وخمسين وستمائة وما زال أمر البريد مستمرا فيما بين القاهرة ودمشق وهو كان بكل مركز من المراكز عدة من الخيول المعدة للركوب تعرف بخيل البريد وعندها رجال يعرفون بالسواقين ولا يقدر أحد يركب من خيل البريد إلا بمرسوم سلطانى ، وكانت طريق الشام عامرة يوجد بها عند كل بريد ما يحتاج إليه المسافر من زاد وعلف وغيره.