ذكر مدينة انصنا
أعلم أن هذه المدينة من أجمل مدائن الصعيد القديمة ، وكان بها عدة عجائب منها المقياس الذى بنته دلوكة أحد من ملك مصر ، وكان فى دائرة عمد على عدة أيام السنة الشمسية وكلها من الصوان الأحمر المانع ومسافة ما بين كل عمودين مقدار خطوة إنسان ، وكان ماء النيل يدخل إلى هذا المقياس من فوهة عند الزيادة ، فإذا بلغ ماء النيل الحد الذى كان إذ ذاك يحصل منه رى أرض مصر وكفايتها جلس الملك عند ذلك فى مشرف له على ذلك المقياس ، وتصعد قوم من خواصه إلى روءس تلك الأعمدة المذكورة فيتعاون عليها ما بين ذاهب وآت ويتساقطون من الأعمدة إلى الملعب وهو ممتلىء بماء النيل ويكون ذلك اليوم عندهم عيد وفاء النيل.
وقال أبو عبيد البكرى : أن مارية سرية النبى صلى الله عليه وسلم أم ولده إبراهيم كانت من قرية يقال لها حفن من قرى انصنا [ق ١٧٧ أ] ويقال أن سحرة فرعون الذى آمنوا كانوا منها ويقال أن التمساح لا يضر بساحل انصنا لطلاسم هناك ، وأنه إذا حادى هذا الطلسم ينقلب على ظهره فلا يستطيع الحركة حتى يؤخذ ، ويقال أن الذى بنى مدينة انصنا اشمن بن مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام وكانت مدينة حسنة كثيرة البساتين والزرع والثمار والفواكة والمتنزهات وهى الان خراب. وكان ينبت بها الخشب للسبح وهو عود ينشر منه ألواح للسفن ، وربما أرعف ناشرها من شدة صلابتها ويباع اللوح منها بخمسين دينار أو نحوها وإذا شد لوح منها على لوح وطرح فى الماء أكتاما صار لوح وكان بها عجائب أيضا لا تحصي.