منه سمكا من أعلى الجبال. وذكروا أنه صغير القدر بادناب حمر ويقال [ق ١٧١ أ] أن فيهم جماعة يعترفون بالبارى سبحانه وتعالى ويتقربون إليه بعبادة الشمس والقمر والكواكب ، ومنهم من لا يعترف بالبارى ويعبد النار ومنهم يعبد كلما يستحسنه من شجرة أو بهيمة ومن هم من يعبد الله تعالى خالصا مخلصا وإذا أبطأ عنهم المطر أو أصابهم الوباء أو وقع فى بلادهم آفة صعدوا إلى الجبال ودعوا إلى الله فيجابوا من وقتهم وتقضى حاجتهم قبل أن ينزلوا وهم لا يعرفون أحدا من الأنبياء ولا الرسل ولا ما نزل الله تعالى من الكتب ، ولكن تعبدون الله تعالى بإخلاص النية وملكهم مسلم لا يكلمه أحدا من وراء حجاب وغالب أكلهم الأرز وهو ينبت عندهم من غبر بذر وعندهم يوجد القمح والذرة والتين والليمون والبادنجان واللفت والرطب ويجلب من عندهم قماش يقال له الدندى طول كل ثوب عشرة أذرع ويتعاملون بالودع والخرز والنحاس المكسر والورق ، وفي جوانب تلك النواحى أشخاص متوحشة تسمى الغول قريب من الشكل الأدمى نودى الناس ويكسرهم ولا يظهر إلا بالليل ويظهر منها شبه شرار النار فإذا مشى [ق ١٧١ ب] أحد ليلحقها بعدت عنه ولو جرى خلفها لا يصل إليها بل لا تزال إمامه فإذا رماها بحجر فأصابها فيطير منها شرار مثل شرار الحداد فلا يلحقها الفارس الراكب المجد ويختفى فى مغاير هناك فى الجبال.
ومن العجائب عندهم أن اليقظة تصير عندهم قدر المركب الصغير حتى أنهم يصنعوا من نصفها مركب ويضعوه فى النيل ويعدوا فيه. وهذه البلاد بين إفريقية وبرقة ممتدة فى الجنوب إلى سميت الغرب الأوسط وهى بلد شر مزاج بأهلها.
ذكر مدينة بلاد البجة
أعلم أن أول بلد البجة من قرية تعرف باحزبة وبينها وبين قوص نحو من ثلاث مراحل وبها معدن الزمرد.
وذكر الجاحظ : أن ليس فى الدنيا معدن للزمرد غير هذا الموضوع ، وهو يوجد فى مغاير بعيدة مظلمة يدخل إليها الإنسان بالمصابيح ويحفر عليه بالمعاول ، فيوجد فى وسط حجارة عشم خضر الألوان وآخر بلادا لبجة أول بلاد الحبشة مما يلى جزاير سواكن وهم صغر الألوان