الناس شتى ثم ذكر النيل الأخضر فقال هو نهر يأتى من نحو القبلة مما يلى الشرق وأنه شديد الخضرة صافى اللون جدا ، يرى ما فى قعره من السمك وطعمه مخالف لطعم ماء النيل يعطش الشارب منه بسرعة وحيتانه خلقة واحدة غير أن طعمهم مختلف ويأتى فيه وقت زيادة النيل اسقالات من خشب الساج والبقم والقنا وخشب له رائحة كرائحة اللبن. وقيل إنه وجد فيه عود كالبخور المسمى بالقاقلى وتجتمع هذان النهران الأبيض الأخضر عند مدينة كرسى [ق ١٧٠ أ] علوة ويبقيان على ألوانهما قريبا من مرحلة ثم يختلطان بعد ذلك وبينهما أمواج كبار يتلاطما. وقال : من رأى النيل الأبيض حين ينصب فى النيل الأخضر وأنه بقى فيه مثل اللبن ساعة قبل أن يختلطا وبين هذين النهرين جزيرة لا يعرف لها غاية وكذلك لا يعرف لهذين نهاية ، فأولهما يعرف عرضه ثم يتسع فيصير مسافة شهر ثم لا يدرك سعتهما وعليهما خلائق كثيرة يسكنونهما من أجناس شتى.
ويقال أن بعض ملوك علوه سار فيها يريد أن يعرف أقصاها. فسار فيها سنين فرأى فى طرقها جنسا يسكنونهم ودوابهم فى بيوت تحت الأرض مثل السراديب من شدة حر الشمس ويسرحون بالليل لمعايشهم.
وقال بعض من طرق بلاد الزنج أنه سار فى بحر الصين إلى بلد الزنج بالزنج الشمال فى مركب من الجانب الشرقى حتى إنتهاء إلى بلد تعرف برأس حفرى ، وهى مدينة كبيرة وتصير قبلتهم للصلاة نحو جدة وفيها رباط فيه جماعة من المسلمين وأكثرهم جنوبهم الذرة التى مثل الأرز وعندهم المواشى كثير والخيل والحمار [ق ١٧٠ ب] والجمال ودينهم دين النصرانية وكتبهم بالقلم الرومى يفسرونها بلسانهم ومما فى بلدهم من العجائب أن فى الجزيرة الكبرى التى بين البحرين جنسا يعرف بالكرسا لهم أرض واسعة تزرع على النيل والمطر وإذا كان وقت الزرع خرج كل واحد منهم ما عنده من البدار قد زرع وآوان المزار فارغة ، وإذا كان وقت الحصاد خطوا شيئا من المزار وانصرفوا عنه فإذا أصبحوا وجدو الزرع قد حصد باشره وجرن ، فإذا أرادوا دراسة وتدربته فعلوا بذلك ، وربما أراد أحدهم أن يبقى زرعة من الحشيش فيغلظ بقلع شىء من الزرع فيضح.
وقد رأى جميع الزرع قد قلع وفى هذه الناحية بلدان واسعة مسيرة شهرين فى شهرين ، وأكبر بلدهم علوة ، وهذه الحكاية عنهم صحيحة معروفة مشهورة عند جميع أهل النوبة وأهل علوة وكل من يطرق تلك النواحى من تجار المسلمين وأن أهل تلك الناحية يزعمون أن لجان تفعل معهم ذلك. ومن عجائب تلك الناحية ما حدث به أهل الناحية أن المطر إذا مطر عندهم يلتقطون