قال ابن عبد الحكم عن أبى رهم السماعى قال : كانت مصر ذات قناطر وجسور بتقدير حتى أن الماء البحرى يجرى تحت منازلها وأفيتها فيحسبونه كيف شاءوا وذلك قول الله تعالى عما حكي عن قول فرعون (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي ، أَفَلا تُبْصِرُونَ)(١).
قيل لم يكن فى الأرض يومئذ ملك أعظم من ملك مصر ، وكانت الجنات بحافتى النيل من أوله إلى آخره فى الجانبين جميعا ـ ما بين أسوان إلى رشيد وسبع خلجان متصلة لا ينقطع منها شىء عن شىء ، والزرع ما بين الجبلين من أول مصر إلى آخرها مما يبلغه الماء.
وكان جميع [ق ٩٦ ب] أرض مصر كلها تروى من ستة عشر ذراعا ، لما قدروا وديروا من قناطرها وخلجانها وجسورها فذلك قوله عز وجل (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ)(٢) قيل المقام الكريم إن كان بها ألف منبر ، وقيل المقام الكريم هو االقيوم.
خليج سخا
فأما خليج سخا فقد حفر تدارس بن صابن قبطيم بن مصرايم بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام ، وهو آخر ملوك القبط القدماء الذين ملكوا مصر فى الدهر الأول.
قال ابن وصيف شاه : تدارس الملك أول من ملك الأحياز كلها بعد أبيه صار ، وصفا له ملك مصر وكان تدارس محكما فجربا زايدا وقوة ومعرفة بالأمور فاظهر العدل ، وأقام الهياكل قياما حسنا ودبر جميع الأحياز ، ويقال أنه الذى حفر خليج سخا ، وقرر الأموال على البلاد وهابته الملوك ، وسار إلى بلاد السودان من الزنج والنوبة في ثلاثة ألف ووجه فى النيل ثلاثمائة سفينة ، فى كل سنة [ق ٩٧ أ] كاهن يعمل أعجوبة من العجائب فهزم الزنج والنوبة وقتل أكثرهم وأسر منهم خلقا كثيرة ، ثم اتبعهم بجيوشه حتى وصلوا إلى أرض الفيلة من أعلى بلاد الزنج ، فأخذوا منها عدة من النمور والوحوش والفيلة وساقوها إلي أرض مصر ، ثم مات بمصر ودفن في ناووس ونقل إليه شيئا كثيرا من الذهب والجوهر والصنعة والتماثيل ، وكتب على ناوسه باسمه وتاريخ هلاكه وجعل عليه طلمسان المنيعة وعهد إلى ابنه ماليق بن تدارس.
__________________
(١) ٥١ ك الزخرف : ٤٣
(٢) ٢٦ ك ـ الدخان : ٤٤.