ذكر مدينة منف وملوكها
هذه المدينة كانت فى غربى النيل على مسافة أثنى عشر ميلا من أرض مصر وهى أول مدينة عمرت بأرض مصر بعد الطوفان ، وصارت دار المملكة بعد مدينة أمسوس التى تقدم ذكرها.
قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى فى كتاب جامع البيان فى تفسير القرآن عن السدى أنه قال كان موسى عليه السلام حين كبر كان يركب بمراكب فرعون ويلبس مثل ما يلبس فرعون ، وكان يدعى ابن فرعون ثم أن فرعون ركب يوما وليس معه موسى فلما جاء موسى قيل له أن فرعون قد ركب ، فركب موسى أثره فأدركه المقيل فى منف فدخلها نصف النهار ، وقد تعلقت أسواقها وليس فى طرقها أحد وهى التى تقول الله تعالى ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها وقيل كان بمنف بيت من الصوان [ق ١٤٨ أ] الأخضر المانع الذى لا يعمل فيه الحديد وفيه صورة منقوشة وعلى وجه بابه صور حيات ناشرة صدورها ، فلو اجتمع ألوف من الناس على تحريكه ما قدروا عليه لعظمه وثقله وهذا البيت تقول عنه الصائبة أنه بيت القمر ، وكان هذا البيت من حملة سبعة بيوت كانت ممنف على عدد الكواكب السبعة ، كل بيت منهم باسم كوكب ، وأن هذا البيت كان باقيا إلى هدمه الأمير شيخو العمرى بعد سنة خمسين وسبعمائة ، ومنه الآن شىء من الرخام فى خانقته وجامعه الذين بخط الصليبة.
وقال ابن خرداذبة مدينة منف هى مدينة فرعون التى كان ينزلها وأتخذ لها سبعين بابا من حديد وجعل حيطانها مصفحة بالنحاس الأصفر ، وفيها كانت الأنهار تجرى من تحت سريره ، ولذلك كان يقول أليس لى ملك مصر ، (وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)(١). ولم تزل منف مدينة محكمة البناء كثيرة الآثار والكنوز والأصنام وكان طولها ثلاثون ميلا وعرضها عشرون ميلا ، وقيل أن بعض نبي يافث بن نوح عليه السلام عمل فى أيام مصرايم [ق ١٤٨ ب] آله تحمل الماء تلقيه على أعلا سور مدينة منف وذلك أنه جعلها درجا مجوفة ، كلما وصل الماء إلى درجة أمتلأت الأخرى حتى يصعد الماء إلى أعلى السور ثم ينحط فيدخل جميع بيوت المدينة ثم يخرج من موضع إلى خارج المدينة ، ولم تزل كذلك إلى أن خربها بختنصر وسبى أهلها ولم يترك بها أحدا من الناس حتى بقيت مصر أربعين سنة خرابا ، وليس
__________________
(١) ٥١ ك الزخرف ٤٣.