إليها أموالا عظيمة وجعل عليها روحانيات تحفظها من طارق. ولما مات دفن بها وملك بعده ابنه منقاوش ، وكان جبارا سفاكا للدماء ينتزع النساء من أزواجهن غصبا وبنى قصورا من ذهب وفضة وأجرى فيها الأنهار وجعل حصباؤها من أصناف الجواهر النفيسة.
ولما مات دفن فى بعض قصوره وملك من بعده ابنه افروس فأظهر العدل وأحسن للرعية ورد تلك النساء التى أخذت فى أيام أبيه على أزواجهن وعمل أعمالا عجيبة ، منها أنه عمل منارا فى مدينة أمسوس وجعل على ذلك المنار قبة من ذهب ولطخها بلطوخات مفردة فكانت إذا غربت الشمس وجاء الليل اشعلت تلك القبة بنور تضىء له المدينة طول الليل حتى تصير مثل النهار لا تطغيها كثرة الرياح ولا كثرة الأمطار ، فإذا طلع النهار وأشرقت الشمس خمد ضوءها ، وأهدى لبعض ملوك بابل مدهنا من زبرجد أخضر طوله خمسة أشبار ، ويقال إنه وجد هذا المدهن بعد الطوفان وبنى مدائن كثيرة [ق ١٤٧ أ]. وقيل أنه نكح ثلاثمائة امرأة ولم يولدها له ولد ، فإن الله تعالى قد أعقم النساء قبل الطوفان بثلاثمائة سنة.
ولما مات وضع فى ناووس ودفن بالجبل الشرقى بمصر وملك أرمالينوس فعمل أعمالا عجيبة وبنى مدنا كثيرة وكان له ابن عم يسمى فرعان وكان جبارا فابعد عنه فشغفت به بعض محاضى ارمالينوس وتمكن حبه من قلبها فعملت إلى ارمالينوس سما فى شرابه فشربه فهلك وملك بعده فرعان بن مستور فلم ينازعه أحد لشجاعته ولم تطل أيامه حتى رأى قليمون الكاهن كان طيورا بيضاء قد نزلت من السماء وهي تقول من أراد النجاة فليلحق بصاحب السفينة وكان عندهم علم بحدوث الطوفان من أيام سوريد وبنائه الأهرام لأجل ذلك. وقيل جاء الطوفان فى أيام فرعان فاغرق أراضى مصر كلها وخرب عمائرها وأزال تلك المعالم كلها وأقام الماء عليها ستة أشهر ووصل إلى نصف الهرمين الكبار ، وقيل أنه لما أقبل الطوفان كان فرعان سكرانا فقام ليهرب فى الأسراب فتخلخلت الأرض به وسقط فى الماء فهك وهلك كل من دخل فى الأسراب [ق ١٤٧ ب] الذى صنعوه من الزجاج تحت الأرض ، وقد جلست الرياح فيها بتدبر وتقدير فهلك من دخلها بالغنم ولم ينجوا من هذا الأمر إلا من دخل فى السفينة.