ومنها أن فيضه أبدا في وقت واحد فلو كان بالسيل لاختلف بعض الإختلاف. ومنها أنه قد يجيء السيل فى غير هذه الوقت فلا يفيض. ومنها أن الحذاق بمصر إذا رأوا الحر يزيد علموا أن النيل سيزيد ، لأن شدة الحر تذيب الهواء فيذوب الماء ولا يكون إلا عن زيادة كوكب ودنو نور.
ومنها أن موضع مصبه من أسوان إنما هو واد من الأودية وما استحل اتسع حتى يكون عرض اتساعه نحو من مائة ميل ، وأسوان إنما [ق ٦٢ ب] هو منتهى بلوغ الردع فما ظنك بسيل يسيل عرض اتساعه مسيرة نصف شهر لا نسبة بين مصب أعلاه وأسفله كيف كان يكون أعلاه أو كان إمتلاء أسفله عن السيل.
ومنها أن أهل أسوان إنما يرقبون بلوغ الردع إليهم مراقبة ويحافظون عليه بالنهار محافظة فإذا جن الليل أخذوا حقه سحاقة خزف ، فوضعوا فيها مصباحا ثم وضعوه على حجر معد عندهم لذلك ، وجعلوا يرقبونه فإذا أطغى المصباح طفو الماء عليه ، علموا أن الردع قد وصل غاية المعهود عندهم بأخذه فى الجزر ، فكتبوا بذلك إلى أمير مصر يعملون أن الدرع قد وصلت غاية المعهود عندهم وأنهم قد أخذوا بقسطهم من الشرب فحينئذ يأمر بكسر الأسداد التى على أفواه قرص المشارب فيفيض الماء على أرض مصر دفعة واحدة.
ومنها أن جميع تلك المشارب تسد عند ابتداء صعود النيل بالخشب والتراب ليجتمع ما يسيل من المياه العذبة في النيل ويكثر فيهم بجميع أرضهم ويمنع بجملة دخول الماء الملح عليه فلو كان سيلا ما احتاج إلي ذلك ولفتحت [ق ٦٣ أ] له أفواه قرص المشارب عند ابتداء ظهوره.
ومنها أن الخلجان إذا سدت ولم يكن لها وادع من البحر ، كان السيل يمد من جنبه إلي البحر إذا أسفل النيل وانتفع واخفض من أعلاه.
ومنها أن ماء البحر يصعد أكثر من عشرين ميلا فى خلف رشيد وتنيس ودمياط كما يفعل في سائر الأودية التي يدخلها المد والجزر فلو كان النيل خاليا من الماء العذب وصل البحر من أسوان إلى منتهى بلوغ الردع ، لأن الماء يطلب بطبعه ما إنخفض من الأرض وأن يكون صفحته كرة مستوية الخطوط الخارجة من النقطة إلى المحيط خطوطا متساوية. ومنها أنها إذا فتحت تلك الأسداد وكسرت الخلجان وفاض ماء النيل على أرض مصر شعر بذلك أهل أسوان ،