من ولد محمد بن أبي بكر الصديق رضياللهعنه ، من أهل المغرب ، كان مليح الوعظ فاضلا عارفا بالكلام على مذهب أبي الحسن الأشعري ، هاجر إلى نظام الملك الوزير فنفق عليه لانبساطه وخف على قلبه وصادف منه قبولا كثيرا فنفذ به إلى بغداد وأجرى له الجراية (٢) الوافرة ، فقدم بغداد في سنة خمس وسبعين وأربعمائة ، وعقد مجلس الوعظ بالمدرسة النظامية وبجامع المنصور ، وذكر معايب الحنابلة ، ولقب بعلم السنة من جهة الديوان العزيز ، وأعطى دنانيرا وثيابا ، وكان قد قصد في بعض الأيام دار قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني بنهر القلاءين (٣) فتعرض بأصحابه قوم من الحنابلة ، فكبست دور بني الفرا وأخذت كتبهم ووجد فيها كتاب الصفات ، فكان يقرئ بين يدي البكري وهو جالس على الكرسي ويشنع به (٤) عليهم ، وكان عميد البلد يومئذ أبا الفتح بن أبي الليث ، فخرج البكري إلى العسكر شاكيا منه ، فلما عاد مرض في طريقه ودخل بغداد فمات.
أنبأنا أبو الفرج بن الجوزي ونقلته من خطه قال : سمعت عبد الوهاب يعني الأنماطي يقول جاء البكري وقد كتب له نظام الملك أن يجلس في كل جامع ببغداد ، فجلس فيها كلها إلا جامع المنصور ، فلما هم بالجلوس قال نقيب النقباء وقد تقدم إليه بذلك : قفوا لي حتى أنقل أهلي من باب البصرة ، قيل : كيف؟ قال : لأني أعلم أن المكان ينتهب ويجري مقتله ـ ونحو ذلك ، قيل : لا بد أن تدبر هذا ، فقال : مروا كل أمير ببغداد معه تركي أن يبعثه إليّ ، قال : فانتفى الأتراك وأغلق باب جامع المنصور إلا الباب الذي يلي باب البصرة وحده ، وترك على كل باب مع غلقه تركيين يحفظونه وقال : لا يخرج أحد منكم يا أهل البصرة! أعيرونا الجامع نكفر فيه ساعة ، ومن خرج فعلت (٥) به وصنعت ، وكان الخطيب يذكر في خطبته شاة أم معبد في أكثر أوقاته ، فقال له النقيب : عجل الخطبة ، لا تذبح الشاة اليوم ، فلما فرغوا من الصّلاة وقد أخرج
__________________
(١) انظر : شذرات الذهب ٣ / ٣٥٣. والعبر في خبر من غبر ٣ / ٢٨٤.
(٢) في (ب) : «الجرائد».
(٣) في (ب) : «الغلايين».
(٤) في الأصل ، (ب) : «ويشفع».
(٥) في (ب) ، (ج) : «فقلت».