استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه حتى يغسلها ثلاثا» (١).
أنبأنا عبد الوهاب الأمين عن أبي السعادات محمد بن أحمد بن مكي النديم قال : كنت صبيا ... مغنية (٢) تعرف باختيار بنت القاضي ، فمرضت والدتي فدخلت عليها أعودها وهي بدار بالمقتدنه (٣) ، فسألتها عن حوائجها فقالت لي : أريد كذا وكذا يا ولدي ما بقي في قلبي حسرة ، إلا كيف تخرج جنازتي من بيت دور الكراء بعد أن كان لنا الأملاك العزيزة القيمة ، فقلت لها : أنت تعلمين أني لا أملك إلا ستة عشر دينارا وهي معك ، فهل تعلمين أنه يحصل لنا بها عشر دينار؟ وخرجت من عندها بضيق الصدر واجتمعت باختيار ابنة القاضي وأخبرتها بحالي ، فقالت لي : غدا تحضر عند عفيف وسوف أسألك عن موجب انقباضك فأخبرني بالقصة وهو يسمع ، فقلت : نعم ، فلما حضرنا عنده رأينا انبساطه قال : يا أبا السعادات ما لك لا تنبسط على عادتك؟ فقصصت عليها القصة وقلت : هل سمع قط مريضة تشهت عوض التمرهندي والإجاص دارا؟ فضحك عفيف وسكت ، وانفصلنا آخر وقت ولم أر لما قلت أثرا (٤) ، فلما كان ثاني ذلك اليوم استحضرنا ، فقال : يا أبا السعادات أعد عليّ حديث أمك ، فأعدته عليه وقلت له : قلت لها لا أملك إلا ستة عشر دينارا في خريقة زرقاء معك ، فضحك وقال لفراش : امض إلى أمه وقل لها بهذه العلامة اعطيني الخرقة الزرقاء التي فيها الذهب ، فمضى الفراش وأتى بالخرقة فحلها بين يديه ، وكانت عادته أن لا يمس بيده ذهبا ، وكان يسمى القراضة الحيات ، فقلبها بمروحة في يده وأعطى اختيار بعضها ، وسلم إلى الفراش الباقي وقال : ابتع لنا به بقلا وريحانا ، ثم أمر بمد الطبق فأكل الحاضرون ولم آكل ، فقال : ما لك لا تؤاكل الجماعة؟ فقلت : قد أخذتم مالي وذخيرتي وتقولون : كل ، والله! ما أقدر على الأكل ولا على الشرب ، فجعل يضحك ويقول : بالله عليك كل ، وأنا أمتنع عليه ، فلما طال امتناعي ضرب بيده إلى ورائه مسنده وأخرج كتابا ورماه إليّ فوقفت عليه ، وإذا فيه : هذا ما اشترى أبو السعادات بن مكي بن فلانة بنت فلان جميع الدار الفلانية بثلاثمائة دينار ، وقد (٥)
__________________
(١) الحديث سبق تخريجه ، راجع الفهرس.
(٢) هكذا في الأصول.
(٣) هكذا في الأصول.
(٤) في (ج) : «أمرا».
(٥) في (ب) : «وقال».