والتّحريم في قوله : (حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) مستعمل في معناه اللّغوي وهو المنع كقول عنترة :
حرمت عليّ وليتها لم تحرم
وقوله : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [الأنبياء : ٩٥].
والمراد بالكافرين المشركون ، لأنّهم قد عرفوا في القرآن بأنّهم اتّخذوا دينهم لهوا ولعبا ، وعرفوا بإنكار لقاء يوم الحشر.
وقد تقدّم القول في معنى اتّخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرّتهم الحياة الدّنيا عند قوله تعالى : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) في سورة الأنعام [٧٠].
وظاهر النّظم أنّ قوله : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ) ـ إلى قوله ـ (الْحَياةُ الدُّنْيا) هو من حكاية كلام أهل الجنّة ، فيكون : (اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً) إلخ صفة للكافرين.
وجوز أن يكون : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً) مبتدأ على أنّه من كلام الله تعالى ، وهو يفضي إلى جعل الفاء في قوله : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ) داخلة على خبر المبتدأ لتشبيه اسم الموصول بأسماء الشّرط ، كقوله تعالى : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما) [النساء : ١٦] وقد جعل قوله : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً) ـ إلى قوله ـ (وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) آية واحدة في ترقيم أعداد آي المصاحف وليس بمتعيّن.
(فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ).
اعتراض حكي به كلام يعلن به ، من جانب الله تعالى ، يسمعه الفريقان. وتغيير أسلوب الكلام هو القرينة على اختلاف المتكلّم ، وهذا الأليق بما رجحناه من جعل قوله : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً) إلى آخره حكاية لكلام أصحاب الجنّة.
والفاء للتّفريع على قول أصحاب الجنّة : (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً) الآية ، وهذا العطف بالفاء من قبيل ما يسمّى بعطف التّلقين الممثّل له غالبا بمعطوف بالواو فهو عطف كلام. متكلّم على كلام متكلّم آخر ، وتقدير الكلام : قال الله (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ) ، فحذف فعل القول ، وهذا تصديق لأصحاب الجنّة ، ومن جعلوا قوله : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً) كلاما مستأنفا من قبل الله تعالى تكون