قوله : (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ) [الأعراف : ٥٢].
وتأويله وضوح معنى ما عدّوه محالا وكذبا ، من البعث والجزاء ورسالة رسول من الله تعالى ووحدانية الإله والعقاب ، فذلك تأويل ما جاء به الكتاب أي تحقيقه ووضوحه بالمشاهدة ، وما بعد العيان بيان.
وقد بيّنته جملة (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ) إلخ ، فلذلك فصلت ، لأنّها تتنزل من التي قبلها منزّلة البيان للمراد من تأويله ، وهو التأويل الذي سيظهر يوم القيامة ، فالمراد باليوم يوم القيامة ، بدليل تعلّقه بقوله : (يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ) الآية فإنّهم لا يعلمون ذلك ولا يقولونه إلّا يوم القيامة. وإتيان تأويله مجاز في ظهوره وتبيّنه بعلاقة لزوم ذلك للإتيان. والتّأويل مراد به ما به ظهور الأشياء الدّالة على صدق القرآن. فيما أخبرهم وما توعّدهم.
و (الَّذِينَ نَسُوهُ) هم المشركون ، وهم معاد ضمير (يَنْظُرُونَ) فكان مقتضى الظّاهر أن يقال : يقولون ، إلّا أنّه أظهر بالموصولية لقصد التّسجيل عليهم بأنّهم نسوه وأعرضوا عنه وأنكروه ، تسجيلا مرادا به التّنبيه على خطئهم والنّعي عليهم بأنّهم يجرّون بإعراضهم سوء العاقبة لأنفسهم.
والنّسيان مستعمل في الإعراض والصدّ ، كما تقدّم في قوله : (كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) [الأعراف : ٥١].
والمضاف إليه المقدّر المنبئ عنه بناء (قبل) على الضم : هو التّأويل ، أو اليوم ، أي من قبل تأويله ، أو من قبل ذلك اليوم ، أي في الدّنيا. والقول هنا كناية عن العلم والاعتقاد ، لأنّ الأصل في الأخبار مطابقتها لاعتقاد المخبر ، أي يتبيّن لهم الحقّ ويصرّحون به.
وهذا القول يقوله بعضهم لبعض اعترافا بخطئهم في تكذيبهم الرّسولصلىاللهعليهوسلم وما أخبر به عن الرّسل من قبله ، ولذلك جمع الرّسل هنا ، مع أنّ الحديث عن المكذّبين محمّدا صلىاللهعليهوسلم ، وذلك لأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ضرب لهم الأمثال بالرّسل السابقين ، وهم لما كذّبوه جرّأهم تكذيبه على إنكار بعثة الرّسل إذ قالوا (ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٩١] أو لأنّهم مشاهدون يومئذ ما هو عقاب الأمم السّابقة على تكذيب رسلهم ، فيصدر عنهم ذلك القول عن تأثّر بجميع ما شاهدوه من التّهديد الشّامل لهم ولمن عداهم من الأمم.
وقولهم : (قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) خبر مستعمل في الإقرار بخطئهم في تكذيب