وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون خلق السّماوات والأرض مدرّجا ، وأن لا يكون دفعة ، لأنّه جعل العوالم متولّدا بعضها من بعض ، لتكون أتقن صنعا ممّا لو خلقت دفعة ، وليكون هذا الخلق مظهرا لصفتي علم الله تعالى وقدرته ، فالقدرة صالحة لخلقها دفعة ، لكنّ العلم والحكمة اقتضيا هذا التّدرج ، وكانت تلك المدّة أقل زمن يحصل فيه المراد من التّولّد بعظيم القدرة. ولعلّ تكرّر ذكر هذه الأيّام في آيات كثيرة لقصد التّنبيه إلى هذه النّكتة البديعة ، من كونها مظهر سعة العلم وسعة القدرة.
وظاهر الآيات أنّ الأيّام هي المعروفة للنّاس ، التي هي جمع اليوم الذي هو مدّة تقدّر من مبدأ ظهور الشّمس في المشرق إلى ظهورها في ذلك المكان ثانية ، وعلى هذا التّفسير فالتّقدير في ما يماثل تلك المدّة ستّ مرّات ، لأنّ حقيقة اليوم بهذا المعنى لم تتحقّق إلّا بعد تمام خلق السّماء والأرض ، ليمكن ظهور نور الشّمس على نصف الكرة الأرضية وظهور الظلمة على ذلك النّصف إلى ظهور الشّمس مرّة ثانية ، وقد قيل : إنّ الأيّام هنا جمع اليوم من أيّام الله تعالى الذي هو مدّة ألف سنة ، فستّة أيام عبارة عن ستّة آلاف من السّنين نظرا لقوله تعالى : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [الحج : ٤٧] وقوله : يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [السجدة : ٥] ، ونقل ذلك عن زيد بن أرقم واختاره النّقاش ، وما هو ببعيد ، وإن كان مخالفا لما في التّوراة ، وقيل المراد : في ستّة أوقات ، فإنّ اليوم يطلق على الوقت كما في قوله تعالى : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) [الأنفال : ١٦] أي حين إذ يلقاهم زحفا ، ومقصود هذا القائل أنّ السماوات والأرض خلقت عالما بعد عالم ولم يشترك جميعها في أوقات تكوينها ، وأيّا ما كان فالأيام مراد بها مقادير لا الأيام التي واحدها يوم الذي هو من طلوع الشّمس إلى غروبها إذ لم تكن شمس في بعض تلك المدّة ، والتّعمّق في البحث في هذا خروج عن غرض القرآن.
والاستواء حقيقته الاعتدال ، والذي يؤخذ من كلام المحقّقين من علماء اللّغة والمفسّرين أنّه حقيقة في الارتفاع والاعتلاء ، كما في قوله تعالى في صفة جبريل (فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) [النجم : ٦ ـ ٨].
والاستواء له معان متفرّعة عن حقيقته ، أشهرها القصد والاعتلاء ، وقد التزم هذا اللّفظ في القرآن مسندا إلى ضمير الجلالة عند الإخبار عن أحوال سماوية ، كما في هذا الآية. ونظائرها سبع آيات من القرآن : هنا. وفي يونس ، والرّعد ، وطه ، والفرقان ، والم