واحدة قويّة لا فترة بين هباتها.
وقوله : (نَشْراً) قرأه نافع ، وأبو عمرو ، وابن كثير ، وأبو جعفر : نشرا ـ بضمّ النّون والشّين ـ على أنّه جمع نشور ـ بفتح النّون ـ كرسول ورسل ، وهو فعول بمعنى فاعل ، والنّشور الرّياح الحيّة الطيّبة لأنّها تنثر السّحاب ، أي تبثّه وتكثره في الجوّ ، كالشّيء المنشور ، ويجوز أن يكون فعولا بمعنى مفعول ، أي منشورة ، أي مبثوثة في الجهات ، متفرّقة فيها ، لأنّ النّشر هو التّفريق في جهات كثيرة. ومعنى ذلك أنّ ريح المطر تكون ليّنة ، تجيء مرّة من الجنوب ومرّة من الشّمال ، وتتفرّق في الجهات حتّى ينشأ بها السّحاب ويتعدّد سحابات مبثوثة ، كما قال الكميت في السّحاب :
مرته الجنوب بأنفاسها |
|
وحلّت عزاليه الشّمأل |
ومن أجل ذلك عبّر عنها بصيغة الجمع لتعدّد مهابّها ، ولذلك لم تجمع فيما لا يحمد فيه تعود المهاب كقوله (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) [يونس : ٢٢] من حيث جري السّفن إنّما جيّده بريح متّصلة.
وقرأه ابن عامر (نَشْراً) ـ بضم النّون وسكون الشّين ـ وهو تخفيف نشر ـ الذي هو بضمّتين ـ كما يقال : رسل في رسل. وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف ـ بفتح النّون ، وسكون الشّين على أنّه مصدر ، وانتصب إمّا على المفعولية المطلقة لأنّه مرادف ل (أرسل) بمعناه المجازي ، أي أرسلها إرسالا أو نشرها نشرا ، وإمّا على الحال من الرّيح ، أي ناشرة أي السّحاب ، أو من الضّمير في (أرسل) أي أرسلها ناشرا أي محييا بها الأرض الميّتة ، أي محييا بآثارها وهي الأمطار.
وقرأه عاصم بالباء الموحّدة في موضع النّون مضمومة وبسكون الشّين ـ وبالتّنوين وهو تخفيف (بشرا) بضمّهما على أنّه جمع بشير مثل نذر ونذير ، أي مبشّرة للنّاس باقتراب الغيث.
فحصل من مجموع هذه القراءات أنّ الرّياح تنشر السّحاب ، وأنّها تأتي من جهات مختلفة تتعاقب فيكون ذلك سبب امتلاء الأسحبة بالماء وأنّها تحيي الأرض بعد موتها ، وأنّها تبشّر النّاس بهبوبها ، فيدخل عليهم بها سرور.
وأصل معنى قولهم : بين يدي فلان ، أنّه يكون أمامه بقرب منه (ولذلك قوبل بالخلف في قوله تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) [البقرة : ٢٥٥]) فقصد قائله الكناية