عن الإنكار كما في قوله تعالى : (قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [هود : ٧٣] أنكروا عليها أنّها عدت ولادتها ولدا ، وهي عجوز ، محالا.
وتنكير (ذِكْرٌ) و (رَجُلٍ) للنّوعية إذ لا خصوصية لذكر دون ذكر ولا لرجل دون رجل ، فإنّ النّاس سواء ، والذّكر سواء في قبوله لمن وفقه الله ورده لمن حرم التّوفيق ، أي هذا الحديث الذي عظمتموه وضججتم له ما هو إلّا ذكر من ربّكم على رجل منكم. ووصف (رَجُلٍ) بأنّه منهم ، أي من جنسهم البشري فضح لشبهتهم ، ومع ما في هذا الكلام من فضح شبهتهم فيه أيضا ردّ لها بأنّهم أحقاء بأن يكون ما جعلوه موجب استبعاد واستحالة هو موجب القبول والإيمان ، إذ الشأن أن ينظروا في الذّكر الذي جاءهم من ربّهم وأن لا يسرعوا إلى تكذيب الجائي به ، وأن يعلموا أن كون المذكّر رجلا منهم أقرب إلى التّعقّل من كون مذكّرهم من جنس آخر من ملك أو جنّي ، فكان هذا الكلام من جوامع الكلم في إبطال دعوى الخصم والاستدلال لصدق دعوى المجادل ، وهو يتنزّل منزلة سند المنع في علم الجدل.
ومعنى (على) من قوله (عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) يشعر بأنّ (جاءَكُمْ) ضمّن معنى نزل : أي نزل ذكر من ربّكم على رجل منكم ، وهذا مختار ابن عطيّة ، وعن الفرّاء أنّ (على) بمعنى مع.
والمجرور في قوله : (لِيُنْذِرَكُمْ) ظرف مستقر في موضع الحال من رجل ، أو هو ظرف لغو متعلّق بقوله : (جاءَكُمْ) وهو زيادة في تشويه خطئهم إذ جعلوا ذلك ضلالا مبينا ، وإنّما هو هدى واضح لفائدتكم بتحذيركم من العقوبة ، وإرشادكم إلى تقوى الله ، وتقريبكم من رحمته.
وقد رتّبت الجمل على ترتيب حصول مضمونها في الوجود ، فإنّ الإنذار مقدّم لأنّه حمل على الإقلاع عمّا هم عليه من الشّرك أو الوثنية ، ثمّ يحصل بعده العمل الصّالح فترجى منه الرّحمة.
والإنذار تقدّم عند قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً) في سورة البقرة [١١٩].
والتّقوى تقدّم عند قوله تعالى : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) في أوّل سورة البقرة [٢].
ومعنى (لعلّ) تقدّم في قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) في سورة البقرة [٢١].