(وَالَّذِينَ مَعَهُ) هم الذين آمنوا به ، وسنذكر تعيينهم عند الكلام على قصّته في سورة هود.
والإتيان بالموصول في قوله : (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) دون أن يقال : وأغرقنا سائرهم ، أو بقيتهم ، لما تؤذن به الصّلة من وجه تعليل الخبر في قوله : (وَأَغْرَقْنَا) أي أغرقناهم لأجل تكذيبهم.
وجملة : (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ) تتنزل منزلة العلّة لجملة (أَغْرَقْنَا) كما دلّ عليه حرف (إن) لأنّ حرف (إن) هنا لا يقصد به ردّ الشكّ والتّردّد ، إذ لا شكّ فيه ، وإنّما المقصود من الحرف الدّلالة على الاهتمام بالخبر ، ومن شأن (إن) إذا جاءت للاهتمام أن تقوم مقام فاء التّفريع ، وتفيد التّعليل وربط الجملة بالتي قبلها. ففصل هذه الجملة كلا فصل.
و (عَمِينَ) جمع عم جمع سلامة بواو ونون. وهو صفة على وزن فعل مثل أشر ، مشتق من العمى ، وأصله فقدان البصر ، ويطلق مجازا على فقدان الرأي النّافع ، ويقال : عمى القلب ، وقد غلب في الكلام تخصيص الموصوف بالمعنى المجازي بالصّفة المشبّهة لدلالتها على ثبوت الصّفة ، وتمكّنها بأن تكون سجية وإنّما يصدّق ذلك في فقد الرّأي ، لأنّ المرء يخلق عليه غالبا ، بخلاف فقد البصر ، ولذلك قال تعالى هنا (عَمِينَ) ولم يقل عميا كما قال في الآية الأخرى (عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) [الإسراء : ٩٧] ومثله قول زهير:
ولكنّني عن علم ما في غد عم
والذين كذّبوا كانوا عمين لأنّ قادتهم داعون إلى الضّلالة مؤيّدونها ، ودهماؤهم متقبّلون تلك الدّعوة سمّاعون لها.
وقد دلّت هذه القصّة على معنى عظيم في إرادة الله تعالى تطوّر الخلق الإنساني : فإنّ الله خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وخلق له الحسّ الظاهر والحسّ الباطن ، فانتفع باستعمال بعض قواه الحسيّة في إدراك أوائل العلوم ، ولكنّه استعمل بعض ذلك فيما جلب إليه الضرّ والضّلال ، وذلك باستعمال القواعد الحسيّة فيما غاب عن حسّه وإعانتها بالقوى الوهميّة والمخيّلة ، ففكّر في خالقه وصفاته فتوهّم له أندادا وأعوانا وعشيرة وأبناء وشركاء في ملكه ، وتفاقم ذلك في الإنسان مع مرور الأزمان حتّى عاد عليه بنسيان خالقه ، إذ لم يدخل العلم به تحت حواسه الظّاهرة ، وأقبل على عبادة الآلهة الموهومة حيث اتّخذ لها