وأبادهم عذاب من الله على شركهم ، فمن اتبعهم في صنعهم يوشك أن يحلّ به عذاب أيضا.
و (الْخَلْقِ) يحتمل أن يكون مصدرا خالصا ، ويحتمل أن يكون بمعنى اسم المفعول ، وهو يستعمل في المعنيين.
وقوله : (بَصْطَةً) ثبت في المصاحف بصاد قبل الطاء وهو مرادف بسطة الذي هو ـ بسين ـ قبل الطاء. ووقع في آيات أخرى. وأهمل الراغب (بصطة) الذي بالصاد. وظاهر عبارة القرطبي أنه في هذه الآية ـ بسين ـ وليس كذلك.
والبصطة : الوفرة والسعة في أمر من الأمور.
فإن كان (الخلق) بمعنى المصدر فالبصطة الزّيادة في القوى الجبلية أي زادهم قوّة في عقولهم وأجسامهم فخلقهم عقلاء أصحاء ، وقد اشتهر عند العرب نسبة العقول الرّاجحة إلى عاد ، ونسبة كمال قوى الأجسام إليهم قال النّابغة :
أحلام عاد وأجسام مطهّرة |
|
من المعقة والآفات والإثم |
وقال ودّاك بن ثميل المازني في «الحماسة» :
وأحلام عاد لا يخاف جليسهم |
|
ولو نطق العوّار غرب لسان |
وقال قيس بن عبادة :
وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه |
|
سراويل عادّي نمته ثمود |
وعلى هذه الوجه يكون قوله : (فِي الْخَلْقِ) متعلّقا ب (بَصْطَةً) ، وإن كان الخلق بمعنى النّاس فالمعنى : وزادكم بصطة في النّاس بأن جعلكم أفضل منهم فيما تتفاضل به الأمم من الأمور كلّها ، فيشمل رجحان العقول وقوّة الأجسام وسلامتها من العاهات والآفات وقوّة البأس ، وقد نسبت الدّروع إلى عاد فيقال لها : العاديّة ، وكذلك السّيوف العاديّة ، وقد قال الله تعالى حكاية عنهم : (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت : ١٥] وحكى عن هود أنّه قال لهم : (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [الشعراء : ١٢٩ ـ ١٣٤] وعلى هذا الوجه يكون قوله : (فِي الْخَلْقِ) ظرفا مستقرا في موضع الحال من ضمير المخاطبين.