وجملة : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) مبيّنة لجملة (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) ، والتّأكيد ـ بإنّ واللّام ـ كناية عن التّوبيخ لأنّه مبني على تنزيلهم منزلة من ينكر ذلك لكونهم مسترسلون عليه غير سامعين لنهي النّاهي. والإتيان كناية عن عمل الفاحشة.
وقرأ نافع ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وأبو جعفر : (إِنَّكُمْ) ـ بهمزة واحدة مكسورة ـ بصيغة الخبر ، فالبيان راجع إلى الشيء المنكر بهمزة الإنكار في (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) ، وبه يعرف بيان الإنكار ، ويجوز اعتباره خبرا مستعملا في التّوبيخ ، ويجوز تقدير همزة استفهام حذفت للتّخفيف ولدلالة ما قبلها عليها. وقرأه البقيّة : أإنكم بهمزتين على صيغة الاستفهام ـ فالبيان للإنكار ، وبه يعرف بيان المنكر ، فالقراءتان مستويتان.
والشّهوة : الرّغبة في تحصيل شيء مرغوب ، وهي مصدر شهي كرضى ، جاء على صيغة الفعلة وليس مرادا به المرة.
وانتصب (شَهْوَةً) على المفعول لأجله. والمقصود من هذا المفعول تفظيع الفاحشة وفاعليها بأنّهم يشتهون ما هو حقيق بأن يكره ويستفظع.
وقوله : (مِنْ دُونِ النِّساءِ) زيادة في التّفظيع وقطع للعذر في فعل هذه الفاحشة ، وليس قيدا للإنكار ، فليس إتيان الرّجال مع إتيان النّساء بأقلّ من الآخر فظاعة ، ولكن المراد أنّ إتيان الرّجال كلّه واقع في حالة من حقّها إتيان النّساء ، كما قال في الآية الأخرى : (وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) [الشعراء : ١٦٦].
و (بَلْ) للاضراب الانتقالي ، للانتقال من غرض الإنكار إلى غرض الذمّ والتّحقير والتّنبيه إلى حقيقة حالهم.
والإسراف مجاوزة العمل مقدار أمثاله في نوعه ، أي المسرفون في الباطل والجرم ، وقد تقدّم عند قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً) في سورة النّساء [٦] وعند قوله تعالى : (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) في سورة الأنعام [١٤١].
ووصفهم بالإسراف بطريق الجملة الاسميّة الدّالة على الثّبات ، أي أنتم قوم تمكّن منهم الإسراف في الشّهوات فلذلك اشتهوا شهوة غريبة لما سئموا الشهوات المعتادة. وهذه شنشنة الاسترسال في الشّهوات حتّى يصبح المرء لا يشفي شهوته شيء ، ونحوه قوله عنهم في آية أخرى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) [الشعراء : ١٦٦].