ووجه تسمية هذا الفعل الشّنيع فاحشة وإسرافا أنّه يشتمل على مفاسد كثيرة : منها استعمال الشّهوة الحيوانية المغروزة في غير ما غرزت عليه ، لأنّ الله خلق في الإنسان الشّهوة الحيوانيّة لإرادة بقاء النّوع بقانون التّناسل ، حتّى يكون الدّاعي إليه قهري ينساق إليه الإنسان بطبعه ، فقضاء تلك الشّهوة في غير الغرض الذي وضعها الله لأجله اعتداء على الفطرة وعلى النّوع ، ولأنّه يغير خصوصية الرجلة بالنّسبة إلى المفعول به إذ يصير في غير المنزلة التي وضعه الله فيها بخلقته ، ولأنّ فيه امتهانا محضا للمفعول به إذ يجعل آلة لقضاء شهوة غيره على خلاف ما وضع الله في نظام الذّكورة والأنوثة من قضاء الشّهوتين معا ، ولأنّه مفض إلى قطع النّسل أو تقليله ، ولأنّ ذلك الفعل يجلب أضرارا للفاعل والمفعول بسبب استعمال محلين في غير ما خلقا له.
وحدثت هذه الفاحشة بين المسلمين في خلافة أبي بكر من رجل يسمّى الفجاءة ، كتب فيه خالد بن الوليد إلى أبي بكر الصّدّيق أنّه عمل عمل قوم لوط وإذ لم يحفظ عن النّبيء صلىاللهعليهوسلم فيها حدّ معروف جمع أبو بكر أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم واستشارهم فيه ، فقال عليّ: أرى أن يحرق بالنّار ، فاجتمع رأي الصّحابة على ذلك فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن يحرقه فأحرقه ، وكذلك قضى ابن الزّبير في جماعة عملوا الفاحشة في زمانه ، وهشام بن الوليد ، وخالد القسري بالعراق ، ولعلّه قياس على أنّ الله أمطر عليهم نارا كما سيأتي.
وقال مالك : يرجم الفاعل والمفعول به ، إذا أطاع الفاعل وكانا بالغين ، رجم الزّاني المحصن. سواء أحصنا أم لم يحصنا ، وقاس عقوبتهم على عقوبة الله لقوم لوط إذ أمطر عليهم حجارة ، والذي يؤخذ من مذهب مالك أنّه يجوز القياس على ما فعله الله تعالى في الدّنيا. وروي أنّه أخذ في زمان ابن الزّبير أربعة عملوا عمل قوم لوط ، وقد أحصنوا. فأمر بهم فأخرجوا من الحرم فرجموا بالحجارة حتّى ماتوا ، وعنده ابن عمر وابن عبّاس فلم ينكرا عليه.
وقال أبو حنيفة : يعزّر فاعله ولا يبلغ التّعزير حدّ الزّنى ، كذا عزا إليه القرطبي ، والذي في كتب الحنفيّة أنّ أبا حنيفة يرى فيه التّعزير إلّا إذا تكرّر منه فيقتل ، وقال أبو يوسف ومحمّد : فيه حدّ الزّنى ، فإذا اعتاد ذلك ففيه التّعزير بالإحراق ، أو يهدم عليه جدار ، أو ينكس من مكان مرتفع ويتبع بالأحجار ، أو يسجن حتّى يموت أو يتوب. وذكر الغزنوي في «الحاوي» أنّ الأصح عن أبي يوسف ومحمّد التّعزير بالجلد (أي دون تفصيل بين الاعتياد وغيره) وسياق كلامهم التّسوية في العقوبة بين الفاعل والمفعول به.