من الجوّ ما يشبه المطر ، وليس هو بمطر ، فلا يقال : هم ممطرون ، ولكن يقال : هم ممطرون ، كما قال تعالى : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) [هود : ٨٢] ـ وقال : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٣٢] ، كذا قال الزّمخشري ـ هنا ـ وقال ، في سورة الأنفال : قد كثر الإمطار في معنى العذاب ، وعن أبي عبيدة أنّ التّفرقة بين مطر وأمطر ؛ أن مطر للرّحمة وأمطر للعذاب ، وأمّا قوله تعالى في سورة الأحقاف [٢٤] : (قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) فهو يعكّر على كلتا التّفرقتين ، ويعين أن تكون التفرقة أغلبيّة.
وكان الذي أصاب قوم لوط حجرا وكبريتا من أعلى القرى كما في التّوراة وكان الدّخان يظهر من الأرض مثل دخان الأتون ، وقد ظنّ بعض الباحثين أنّ آبار الحمر التي ورد في التّوراة أنّها كانت في عمق السديم ، كانت قابلة للالتهاب بسبب زلازل أو سقوط صواعق عليها. وقد ذكر في آية أخرى ، في القرآن : أنّ الله جعل عالي تلك القرى سافلا ، وذلك هو الخسف وهو من آثار الزلازل. ومن المستقرب أن يكون البحر الميّت هنالك قد طغى على هذه الآبار أو البراكين من آثار الزّلزال.
وتنكير : (مَطَراً) للتعظيم والتّعجيب أي : مطرا عجيبا من شأنه أن يهلك القرى.
وتفرّع عن هذه القصّة العجيبة الأمر بالنّظر في عاقبتهم بقوله : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) فالأمر للارشاد والاعتبار. والخطاب يجوز أن يكون لغير معيّن بل لكلّ من يتأتّى منه الاعتبار ، كما هو شأن إيراد التّذييل بالاعتبار عقب الموعظة ، لأنّ المقصود بالخطاب كلّ من قصد بالموعظة ، ويجوز أن يكون الخطاب للنّبي صلىاللهعليهوسلم تسلية له على ما يلاقيه من قومه الذين كذّبوا بأنّه لا ييأس من نصر الله ، وأنّ شأن الرّسل انتظار العواقب.
والمجرمون فاعلو الجريمة ، وهي المعصية والسيّئة ، وهذا ظاهر في أنّ الله عاقبهم بذلك العقاب على هذه الفاحشة ، وأنّ لوطا عليهالسلام أرسل لهم لنهيهم عنها ، لا لأنّهم مشركون بالله ، إذ لم يتعرّض له في القرآن بخلاف ما قصّ عن الأمم الأخرى ، لكنّ تمالئهم على فعل الفاحشة واستحلالهم إياها يدلّ على أنّهم لم يكونوا مؤمنين بالله ، وبذلك يؤذن قوله تعالى في سورة التّحريم [١٠] : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ) ، فيكون إرسال لوط عليهالسلام بإنكار تلك الفاحشة ابتداء بتطهير نفوسهم ، ثمّ يصف لهم الإيمان ، إذ لا شكّ أنّ لوطا عليهالسلام بلّغهم الرّسالة عن الله تعالى ، وذلك يتضمّن أنّه دعاهم إلى الإيمان ، إلّا أنّ اهتمامه الأوّل كان بإبطال هذه الفاحشة ، ولذلك وقع الاقتصار في إنكاره عليهم ومجادلتهم إياه على ما يخصّ تلك الفاحشة ، وقد علم أنّ