لجملة : (قالَ لِقَوْمِهِ) [الأعراف : ٨٠] وهذا التّعقيب يؤذن بأنّ لوطا عليهالسلام أرسل إلى قومه قبل حلول العذاب بهم بزمن قليل.
و (فَأَنْجَيْناهُ) مقدّم من تأخير. والتّقدير : فأمطرنا عليهم مطرا وأنجيناه وأهله ، فقدم الخبر بإنجاء لوط عليهالسلام على الخبر بإمطارهم مطر العذاب ، لقصد إظهار الاهتمام بأمر إنجاء لوط عليهالسلام ، ولتعجيل المسرّة للسّامعين من المؤمنين ، فتطمئنّ قلوبهم لحسن عواقب أسلافهم من مؤمني الأمم الماضية ، فيعلموا أنّ تلك سنّة الله في عباده ، وقد تقدّم بيان ذلك عند قوله تعالى : (فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ) في هذه السّورة [٦٤].
وأهل لوط عليهالسلام هم زوجه وابنتان له بكران ، وكان له ابنتان متزوّجتان ـ كما ورد في التّوراة ـ امتنع زوجاهما من الخروج مع لوط عليهالسلام فهلكتا مع أهل القرية.
وأمّا امرأة لوط عليهالسلام فقد أخبر الله عنها هنا أنّ الله لم ينجها ، فهلكت مع قوم لوط ، وذكر في سورة هود ما ظاهره أنّها لم تمتثل ما أمر الله لوطا عليهالسلام أن لا يلتفت هو ولا أحد من أهله الخارجين معه إلى المدن حين يصيبها العذاب فالتفتت امرأته فأصابها العذاب ، وذكر في سورة التّحريم أنّ امرأة لوط عليهالسلام كانت كافرة. وقال المفسّرون : كانت تسرّ الكفر وتظهر الإيمان ، ولعلّ ذلك سبب التفاتها لأنّها كانت غير موقنة بنزول العذاب على قوم لوط ، ويحتمل أنّها لم تخرج مع لوط عليهالسلام وإن قوله : (إِلَّا امْرَأَتَكَ) في سورة هود [٨١] ، استثناء من (بِأَهْلِكَ) لا من (أَحَدٌ). لعلّ امرأة لوط عليهالسلام كانت من أهل (سدوم) تزوّجها لوط عليهالسلام هنالك بعد هجرته ، فإنّه أقام في (سدوم) سنين طويلة بعد أن هلكت أمّ بناته وقبل أن يرسل ، وليست هي أمّ بنتيه فإنّ التّوراة لم تذكر امرأة لوط عليهالسلام إلّا في آخر القصّة.
ومعنى (مِنَ الْغابِرِينَ) من الهالكين ، والغابر يطلق على المنقضي ، ويطلق على الآتي ، فهو من أسماء الأضداد ، وأشهر إطلاقيه هو المنقضي ، ولذلك يقال : غبر بمعنى هلك ، وهو المراد هنا : أي كانت من الهالكين ، أي هلكت مع من هلك من أهل (سدوم).
والإمطار مشتقّ من المطر ، والمطر اسم للماء النّازل من السّحاب ، يقال : مطرتهم السّماء ـ بدون همزة ـ بمعنى نزل عليهم المطر ، كما يقال : غاثتهم ووبلتهم ، ويقال : مكان ممطور ، أي أصابه المطر ، ولا يقال : ممطر ، ويقال أمطروا ـ بالهمزة ـ بمعنى نزل عليهم